ثقة، وقد يعبر عنه بأهل الخبرة. فالمريض يرجع إلى الطبيب الحاذق الثقة ويعمل برأيه، وهكذا في سائر الأمور التخصصية فهذا أمر فطري ضروري لا محيص عنه، فالمجتهد المتخصص يعرف حكم الواقعة بنحو التفصيل، ومن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد فلا محالة أما أن يحتاط في العمل مع الإمكان، أو يرجع إليه ويكسب العلم أو الوثوق بالحكم إجمالا منه ويعمل بما حصل له من العلم أو الوثوق.
والأحوط بل الأقوى في المسائل الخلافية رعاية الأعلمية، على ما يقتضيه ارتكاز العقلاء وسيرتهم.
فليس بناء العقلاء في الرجوع إلى الخبراء مبنيا على التعبد، ولا على الاضطرار إلى العمل بالتقليد والظن، ولا على اعتماد كل فرد في عمله على سائر العقلاء وبنائهم، بل على اعتماد كل فرد في عمله على الإدراك الحاصل في ضميره برجوعه إلى الخبير الثقة، وهو علم عادي تسكن به النفس، والعلم حجة عند العقل، فيرجع بناء العقلاء إلى حكم العقل.
والعقلاء لا يتقيدون في نظامهم بالعلم التفصيلي المستند إلى الدليل في جميع المسائل، بل يكتفون بالعلم الإجمالي، كما لا يتقيدون بما لا يحتمل فيه خلاف أصلا، بل يكتفون بالعلم العادي، أي ما يكون احتمال الخلاف فيه ضعيفا جدا، وليس في هذا تعبد أصلا لعدم التعبد في عمل العقلاء بما هم عقلاء.
فإذا فرض أنه في مورد خاص لم يحصل لهم الوثوق الشخصي بقول خبير، فإن لم يكن الموضوع مهما وجاز فيه التسامح أمكن العمل رجاء. وأما إذا كان الموضوع من الأمور التي لا يتسامح فيها كالمريض الدائر أمره بين الحياة والموت مثلا فلا محالة يحتاطون حينئذ إن أمكن، أو يرجعون فيه إلى خبير آخر، أو شورى طبية مثلا.