قلت: لو فرض عدم إمكان تأسيس دولة إسلامية واحدة فلا إشكال في تأسيس دويلات في البلاد الإسلامية على أساس موازين الإسلام، بل يتعين ذلك دفعا للظلم والفساد بتغلب الطواغيت والجبابرة، ولكن هذا لا يدفع إشكال النصب العام، فإن كل بلد لا سيما في عصرنا لا يخلو من عدة فقهاء فيعود الإشكال.
الثاني: أن يكون المنصوب الجميع كذلك، ولكن لا يجوز اعمال الولاية إلا لواحد منهم.
ويرد عليه أولا: أن جعل الولاية حينئذ للباقين لغو قبيح.
وثانيا: أنه كيف يعين من له حق التصدي فعلا؟ فإن لم يكن طريق إلى تعيينه صار الجعل لغوا وهو قبيح. وإن كان بانتخاب الأمة أو أهل الحل والعقد أو خصوص الفقهاء لواحد منهم، صار الانتخاب معتبرا ومعيارا لتعيين الوالي.
فإن قيل: يتعين الأعلم منهم.
قلت: مجرد اشتراط الأعلمية لا يكفي في رفع المحذور، لإمكان التساوي في العلم، ولاختلاف أنظار الأمة وأهل الخبرة في تشخيص الأعلم، كما هو المشاهد. فيلزم تعدد الولاة بالفعل في بلد واحد فيختل النظام.
فإن قيل: من سبق منهم إلى الأمر وتصديه فهو المتعين ويسقط التكليف عن الباقين، نظير التكليف في الوجوب الكفائي، ويجب على المسلمين إطاعته وإن لم يكونوا مقلدين له في المسائل الفقهية، بل يجب على جميع الفقهاء إطاعته فيما حكم به ولا يجوز مزاحمتهم له.
قلت أولا: المسألة نظير الوجوب العيني فلا يرفع التكليف عن الباقين سبقة أحدهم فإنهم - في هذا الفرض - منصوبون جميعا ولهم الولاية الفعلية في عرض واحد، فيجب عليهم التدخل في الأمور فيختل النظام.
وثانيا: هذا يتم إذا أذعن الفقهاء الآخرون بكون متصدي الأمر واجدا للشرائط التي اعتبرها الشرع في الوالي، وان لم يذعنوا بذلك فلا تجب الإطاعة