وإلا كان للأمة حق الانتخاب، ولكن لا مطلقا بل لمن وجد الشرائط والمواصفات المعتبرة. فالإمامة تنعقد أولا وبالذات بالنصب، وعند فقده بانتخاب جميع الأمة أو أكثرهم أو أهل العقد والحل إذا تعقبه رضا الجميع أو الأكثر، بمرحلة واحدة أو بمراحل.
وأما التغلب بالقهر، أو ولاية العهد، أو بيعة بعض الناس، فلا يكون سببا للإلزام وإيجاب الطاعة، لأن نفوذ تعيين عدد قليل كخمسة من الناس في حق الجميع لا ملاك له في العقل والشرع.
حتى إذا فرض أن الأمة انتخبت فردا للإمامة ولم يفوض إليه تعيين غيره لما بعده، فبأي حق يعين غيره؟
نعم، لو كان الإمام معصوما - كما نعتقده في الأئمة الاثني عشر - فلا محالة يكون تعيينه للإمام بعده حجة شرعية على تعينه من قبل الله - تعالى - أو من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله)، أو كون التعيين مفوضا إليه، أو كون المعين أفضل الأفراد وأجمعها للشرائط، فيلزم أتباعه. ولكن ليس كلامنا هنا في الإمام المعصوم، فإنها مسألة كلامية.
ومقتضى ما ذكروه من إمامة المتغلب مطلقا أن الخارج على الإمام الموجود في أول الأمر باغ يجب قتاله ودفعه، ثم إذا فرض غلبته انقلب إماما واجب الإطاعة وإن كان من أفسق الفسقة والظلمة! وهذا أمر عجيب لا يقبله الطبع السليم. وما دل على وجوب إطاعة أولي الأمر لا يراد بها إطاعة كل من تسلط وتأمر ولو بالقهر والغلبة، بل إطاعة من حقت له الولاية والأمر في خصوص ما فوض إليه أمره. فوجوب الإطاعة هنا حكم يدور مدار موضوعه الخاص، ولا يحقق الحكم موضوع نفسه، كما هو واضح.