وقال مالك: في الواهب يكون لورثته مثل ما كان له من الثواب إن اتبعوه. وروى الثوري عن ابن أبي ليلى قال: للواهب أن يرجع في هبته دون القاضي، وعند أصحاب أبي حنيفة لا يرجع إلا بنقصانها ويرد الموهوب له. وقال الثوري كقول أصحاب أبي حنيفة في جميع ذلك. وقال الأوزاعي: لا يرجع فيما وهب لمولى ولا تابع له ولا لذي رحم ولا لامرأته ولا السلطان لمن دونه ويرجع فيما سوى ذلك فإن كانت الهبة قد نمت وزادت عند أصحابها فقيمتها يوم وهبها وترجع المرأة فيما وهبت لزوجها.
وقال الحسن بن حي: إذا لم يرد بالهبة ثواب الدنيا لم يرجع إذا قبض ولا يرجع فيما وهب لذي رحم محرم، فإذا وهب لغير ذي رحم محرم ويريد بها ثواب الدنيا فله أن يرجع فيها. وقال الليث: إذا وهب للثواب رجع فيها مثل قول مالك، ولا ترجع المرأة فيما وهبت لزوجها إلا أن يكون سألها أن تهب له ثم طلقها مكانه أو بعد ذلك بيوم أو نحوه.
وقال الشافعي: لا يرجع في الهبة إلا الوالد فيما وهبه لولده. وقال داود بن علي: كل من وهب شيئا لغيره لم يجز الرجوع فيه، ولا فرق في ذلك بين البعيد والقريب.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد إنا قد علمنا بإجماع من الأمة ولا اعتبار بداود، فإن الاجماع قد تقدمه وسبقه بأن عقد الهبة وإن قارنه القبض غير مانع من الرجوع وإنما اختلفوا في موضع جواز الرجوع، فذهب قوم إلى أن الرجوع إنما يجوز مع ذوي الأرحام دون ذوي الأجانب وذهب الآخرون إلى أنه يجوز مع الأجانب دون ذوي الأرحام ، وذهبت الإمامية إلى أنه يجوز في المواضع كلها فقد بان بالاتفاق على أن قبض الهبة غير مانع من الرجوع على كل حال. فمن ادعى أنه مانع من الرجوع في موضع دون آخر فعليه الدليل الشرعي على اختصاص ذلك الموضع بهذا الحكم ولا دليل لمن خصص موضعا دون آخر، لأن تعويلهم على أخبار آحاد وقياس يقتضي الظن ولا معول على مثله في ثبوت الأحكام الشرعية فثبت بهذا الاعتبار جواز الرجوع في المواضع كلها، وأن ليس بعضها بذلك أحق من بعض.
فإن قالوا: لو جاز الرجوع في الهبة لجاز في البيع وفي سائر العقود.
قلنا سائر العقود ما أجمعت عليه الأمة على جواز الرجوع فيها على الجملة، وإنما اختلفوا في التفصيل وعقد الهبة قد بينا الاجماع على سبيل الجملة على جواز الرجوع فيه وإنما اختلفوا في مواضعه.