و لا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون وقوله: ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل وقوله تعالى ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون.
والجواب أن لتلك الرموز القرآنية والإشارات النبوية محامل صحيحة غير ما ذكرتم وأكثر مواعيد النواميس الإلهية إنما يتحقق في دار أخرى غير هذا الدار وليست الدار الآخرة منحصرة في عالم العقل بل عالم الآخرة عالمان عالم عقلي نوري وعالم مثالي منقسم إلى نعيم نوري وجحيم ظلماني.
أما الأول فهو للكاملين المقربين وأما الثاني فأوله للمتوسطين من أصحاب اليمين والسعداء وثانيه للناقصين من أصحاب الشمال وهم الأشقياء المردودون والمغالطة في حمل كلام القدماء الفلاسفة على التناسخ إنما نشأت من الغفلة عن تحقق عالم آخر متوسط بين عالم العقول والأجرام فيه يحشر الناس على هيئات مناسبة لأخلاقهم على التفصيل المقرر بينهم المشهور عنهم حيث قرروا أن لكل خلق من الأخلاق المذمومة والهيئات الردية المتمكنة في النفس أبدان أنواع يختص بذلك الخلق كخلق التكبر والتهور المناسب لأبدان الأسود والخبث والروغان لأبدان الثعالب وأمثالها والمحاكاة والسخرية لأبدان القردة وأشباهها والعجب للطواويس والحرص للخنازير إلى غير ذلك.
وكما أن لكل خلق ردي أبدان أنواع مخصوصة من الحيوانات كلها مناسب لذلك الخلق فكذلك بإزاء كل مرتبة قوية أو ضعيفة منه بدن نوع خاص من تلك الحيوانات التي اشتركت في خلق واحد كعظيم الجثة لشديد ذلك الخلق وصغير الجثة لضعيفه وربما كان لشخص واحد من الإنسان عدد كثير من الأخلاق الردية على مراتب متفاوتة فبحسب شدة كل خلق