فصل في كيفية تحريك العقول المجردة للأجرام الفلكية ونفوسها التي هي عشاق إلهيون متواجدون في ملاحظة جمال الحق وجلاله رقاصون بما يستفزهم من الواردات الإشراقية واللذات المتوافرة النورية إن الحركات السماوية لما كانت إرادية فمطلوبها إن كان أمرا جزئيا فإن نالت مطلوبها توقفت أو كان مما لا ينال أصلا لقنطت ووقفت أيضا فلها مطلوب كلي وإرادة كلية وإدراك كلي توجب أن يكون لها نفس ناطقة مفارقة.
ومطلوبها ليس أمرا مظنونا كطلب حمد وثناء للسافل لأن المظنون غير دائم والحركة دائمة فلا يبتني على ما لا يدوم.
وكان سليم الطبع يحدس بفطرته أن الجوهر الكائن الفاسد الذي لا نسبة له معتبرة بالقياس إلى جرم أصغر الأفلاك لا يكون مقصدا لحركاتها كما مر فحركاتها إن كانت لمعشوق ينال ذاته أو لتشبه دفعي لوقفت إن نالت وقنطت إن لم ينل فهو لنيل أمر متجدد دائم الحصول وتشبه مستمر بمعشوق والمتشبه به ليس بجرم فلكي ولا نفس وإلا تشابه الحركات والتحريكات وليس كذلك.
فإذن التشبه بأمر عقلي مجرد عن المادة بالكلية هو بالفعل من جميع الوجوه وليس المتشبه به عقلا واحدا في الجميع وإلا لاتفقت الحركات. فلكل واحد معشوق.
وليس الاختلاف لعدم مطاوعة الطبيعة الجرمية فإن المستديرات أوضاعها متشابهة.
وليس كما ظن أن المعشوق واحد واختلاف الحركات لنفع السافل وإن تساوت الجهات بالنسبة إليها فجمعت بين غرضها ونفع السافل كالمرء الخير المخير إذا خير بين الطريقين المتساويين اختار أحدهما لنفع فقير فإنها إن جاز أن يختار جهة الحركة لنفع السافل جاز أن يختار أصل الحركة على السكون لنفعه وليس كذا.