بها على الحقائق حين وجودها لا في وقت آخر.
وذلك الوجه هو أن للعقل أن يكتنه تلك الماهيات ويتصورها بكنه حقائقها وينتزع منها الإنسانية والحيوانية والفلكية وغيرها. وليس له أن ينال الموجود الحق ويتصوره على الاكتناه به حتى ينتزع منه الموجودية المصدرية إذ يمتنع ارتسام الحقيقة الواجبة في الأذهان عالية كانت أو سافلة بل جميع القوى الإدراكية عقلية كانت أو حسية في مرتبة واحدة بالقياس إلى نيل الجناب الربوبي كما ورد عن النبي ص: إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم. فإن الإحساس إنما يتعلق بما في عالم الخلق والتعقل إنما يتعلق بما في عالم الأمر فما هو فوق الخلق والأمر يكون محتجبا عن الحس والعقل بل العقل يتصور مفهوم الوجود ويحكم بسبب البرهان أن له مبدأ لو ارتسم في العقل ينتزع منه لذاته هذا المفهوم لكن يمتنع أن يرتسم.
ففي الماهيات يعقل أولا المنتزع منه ثم ينتزع المعاني المصدرية الذاتية. وهناك بعقل مفهوم الوجود الانتزاعي ثم يحكم أن له مبدءا منتزعا منه بالذات.
حجة عرشية كنه الواجب لو كان متعقلا لزم انقلاب حقيقته فإن حقيقة الموجود الصرف بشرط سلب الموضوع وسائر الأشياء عنه لا لا بشرط شيء منها (كما عرفت) لو تصور بكنهه لكان موجودا في موضوع مع أن حقيقته الموجود لا في موضوع فينقلب حقيقته عما كانت عليه.
وهذا بخلاف الماهيات الجوهرية فإن جوهريتها ليست باعتبار كونها بالفعل لا في موضوع بل هذا المعنى من عرضياتها اللاحقة بها في الخارج وجوهريتها إنما هي باعتبار كونها بحيث إذا وجدت في الخارج كانت لا في الموضوع وهذا المعنى لا ينفك عنها بحسب أنحاء الوجود فلم يلزم من الانقلاب في شيء حين تصورها بكنهها أصلا. وسيأتي لهذا المعنى زيادة إيضاح إن شاء الله تعالى.
والحاصل أن الواجب تعالى لو تعقل بالكنه لكان الموجود الخارجي من حيث إنه