الحرارة التي في موضع يتعدى إلى المجاور لها كما يتعدى نور الشمس إلى الأجسام بمعنى أنه سيكون سببا لحدوث النور إذا خلقت الأشياء موجودة وجودا فائضا بأمثاله على غيره والقوة المتخيلة منطبعة في الجسم الحار فيتأثر به تأثيرا يليق بطبعها كما مر أن كل شيء قابل يتأثر من شيء فإنما يتأثر منه بشيء يناسب جوهر هذا القابل وطبعه.
فالمتخيلة ليست بجسم حتى يقبل نفس الحرارة فيقبل من الحرارة ما في طبعها لقبول له وهو صورة الحار فهذا هو السبب فيه.
فصل في معرفة سبب العلم بالمغيبات في اليقظة قد عرفت سبب الاطلاع بالغيوب في النوم من ركود الحواس واتصال النفس بالجواهر العقلية أو النفسية وقبولها من تلك المبادي صورا يناسبها واهتمت بها.
ويمكن أن يكون ذلك لبعض النفوس في اليقظة بسببين:
أحدهما قوة في النفس فطرية أو مكتسبة لا يشغلها جانب عن جانب بل تسع قوتها بالنظر إلى جانب العلو وجانب السفل جميعا كما يقوى بعض النفوس ليجمع في حالة واحدة الاشتغال بعدة أمور فيكتب ويتكلم ويسمع فمثل هذه النفوس التي لها اقتدار ما على ضبط الجانبين يجوز أن يفتر عنها في بعض الأحوال شغل الحواس ويطلع على عالم الغيب فيظهر لها منه بعض الأمور كالبرق الخاطف. وهذا ضرب من النبوة.
ثم إن ضعفت المتخيلة بقي في الحفظ ما انكشف له من الغيب بعينه كان وحيا صريحا وإن قويت المتخيلة واشتغلت بطبيعة المحاكاة فيكون هذا الوحي مفتقرا إلى التأويل كما يفتقر الرؤيا إلى التعبير.
الثاني أن يغلب على المزاج اليبوسة والحرارة ويقل الروح البخاري حتى يتصرف النفس لغلبة السوداء وقلة الروح عن المواد الحواس فيكون مع فتح العين وسائر أبواب الحواس كالمبهوت الغافل الغائب عما يرى ويسمع وذلك لضعف خروج الروح إلى الظاهر.
فهذا أيضا لا يستحيل أن ينكشف لنفسه من الجواهر الروحانية شيء