وأما عدم تسليم فيضان النفس من الواهب إلى بدن الإنسان كلية على الاطراد مستندا بأن نفوس النبات انتقل إلى الحيوانات ثم صعدت ما تخلص منها إلى رتبة الإنسان ففي غاية السقوط لأن استعداد النبات بمزاجه إذا استدعى نفسا فاستعداد الإنسان لمزاجه الأشرف الأكمل لها أولى.
لا يقال: إن مثل هذه الأولويات في عالم الحركات والاتفاقات غير مسموعة فإن لبعض الأشياء أسبابا قدرية غائبة عن شعورنا ولو اتفق الناس على أن يعرفوا أن المقناطيس بأي مزاج استعد لقوة الجاذبة للحديد لم يمكنهم. فليس لأحد أن يقول: إذا استعد مزاج المقناطيس لجذب الحديد فمزاج الإنسان أولى لجذبه لأنه أشرف وذلك لخفاء المرجح.
لأنا نقول: المزاج الأشرف الأكمل يستدعي النفس الأشرف الأكمل وتفاوت الشرف في الوجود بحسب تفاوت البراءة عن القيود الهيولانية فكلما كان أشد براءة من عوارض الجسمية والمادية فهو أقرب إلى منبع الوجود الخالي عن القوة والنقص وجذب الحديد ليس من مراتب الشرف والقرب من العالم الأعلى ليكون في الإنسان الذي هو أقرب من الجماد إلى التجرد عن المادة أولى.
فإن قالوا: إن المزاج الأشرف إذا استدعى النفس الأشرف فهي التي جاوزت الدرجات النباتية والحيوانية.
قلنا: هذه دعوى بلا بينة فإن نفوس الأفلاك شريفة في الغاية ولم ينتقل إليها من النبات والحيوان نفس ولو سلم فالنفس الإنسانية الحادثة بحدوث مزاج الإنسان من لدن كونه منيا إلى أن يبلغ مرتبة الإنسان قد صادفت الدرجات النباتية والحيوانية على نحو استكمال طبيعي حاصل في كلا الجانبين المادة والصورة معا وهذا هو التحقيق في الاستكمالات الإنسانية بحسب أطوارها السابقة على ولادة الشخص لا على ما هو المشهور من أن هناك كونا وفسادا من صورة إلى صورة المتباينة الوجود فإن ذلك غير صحيح كما أشرنا إليه سابقا من استحالة تفويض أحد الفاعلين الطبيعيين تدبيره إلى الفاعل الآخر على قياس تفويض أحد الصانعين المختارين فعله إلى الآخر.
ولا يخفى