ثم بعد التنزل وتقرير الأمور على ما قرر فلهم أن يقولوا إنا نفينا علمه بالجزئيات عن الحواس ونحن قائلون بالحشر في أربع درجات من الوجودات.
ثم لا يخفى على من له فطانة ما أنه على ما قرره يلزم تكذيب الأنبياء في عقائد شتى يجب الإقرار والإيمان بها وأنه حمل كثيرا من مواعيد النبوة على وجودات لا حقيقة لها.
وإن كنت في نبذ من هذا في ريب فارجع إلى كتبه العديدة التي صنفها في هذا تأمل بعد النظر يظهر لك أنه بنى المواعيد كلها على وجودات لا حقيقة لها وهل هذا إلا تكذيب الأنبياء.
ثم إنه لما كان هو الإمام وما له من الكلام حجة في الإسلام لم يلزم على ما أفتى به من الفتوى تكفير المتفلسفين لو أنكروا البعث الخارجي وتشبثوا بأحد الوجودات الأخر وقالوا: مواعيد النبوة في النشأة الآخرة تدرك بالخيال أو العقل.
بسط مقال لتحقيق حال الحق الحقيق بالتصديق أن الغزالي في أكثر القواعد الدينية والأصول الإيمانية كان يتبع الحكماء ومنهم يأخذ كثيرا من عقائده لأنه وجد مذاهبهم في باب أحوال المبدإ والمعاد أوثق المذاهب وأتقن الآراء العقلية وأصفى من الشبهة والشكوك وكلماتهم أبعد من التخالف والتناقض من كلمات غيرهم.
وأما التكفير والإنكار والرد والاستنكار الذي وقع منه في كتبه فهو إما بناء على المصلحة الدينية من حفظ عقائد المسلمين من الضيغ والضلال مما سمعوه من كلام الحكماء من غير فهم ودراية وصرف للكفر في معانيه وحراسته لدينهم حتى لا تزل أقدامهم بما قرع أسماعهم من الناقصين والمتفلسفين أن تعلم الحكمة يوجب الاستغناء عن الشريعة وأن قدم العالم مطابق للبرهان ومقتضى العقل والإيقان وأن لا حشر ولا نشر ولا مجازاة في الأعمال والأفعال إلى غير ذلك من المجازفات في الكلام.
وإما لأجل التقية والخوف عن تكفير الظاهريين من فقهاء زمانه إياه ومشهور أن بعضا من أهل زمانه حكم بكفره وكتب رسالته في تكفيره وتضليله.
وإما لأنه كان في أوائل حاله وقبل براعته وكماله في المعرفة مكفرا للحكماء حيث ظن أنهم نفوا عن الباري القدرة والعلم بالجزئيات وأنكروا الحشر