على ذوي الألباب أنه كما استحال انتقال الفعل الطبيعي عن أحد الفاعلين الطبيعيين إلى آخر كذلك استحال انتقال الفاعل الواحد عن فعله الطبيعي إلى فعل طبيعي مباين للأول من غير جهة اتحاد طبيعي بينهما وهو المعنى بالتناسخ فيكون محالا.
ولأصحاب النقل متشبثات فينبغي إيرادها وردها ليكون السالك على طمأنينة في إبطال التناسخ:
منها أن احتياج النفوس إلى الأبدان لأنها أي النفوس ناقصة بالقوة بحسب أصل الفطرة ولا شك أن العصاة من الأمم الشقية الجاهلية التي كفرت بأنعم الله صارت أنقص والحس مما كانت في أوائل فطرتها فهي أشد احتياجا وأقوى انجذابا إلى المواد البدنية مما كانت.
وهذه الشبهة مما ذكرها بعض أهل الحق ولم يقدر على حلها.
ومما ألقي في روعي هو أن كل نفس وإن كانت في أول كونها بالقوة في جميع الأشياء من الكمالات الحسية والخيالية والعقلية ولذلك لم يقم بلا مادة بدنية كما قالوا إلا أنها في مدة كونها في البدن اكتسبت أخلاقا وعادات وآراء وملكات شريفة أو خسيسة فصارت بالفعل بعد كونها بالقوة إما في سعادة أخروية ذلك إذا اقتنت ملكات فاضلة وعادات حسنة فصارت بالحقيقة من جنس الملائكة لأنها من أهل الخير وانخرطت في سلكهم.
وإما في شقاوة أخروية وذلك إذا اقتنت ملكات رذيلة وعادات قبيحة فتشبهت بالشياطين لأنها من أهل الشر والفساد. وبالجملة فالنفوس التي كانت في أول تكونها قابلة محضة متعلقة بالهيولى صارت بحسب اكتساب الصفات المستقرة التي هي الملكات النفسانية مخرجة من القوة إلى الفعل فغلبت عليها أما النورية والملكية فتلتذ بمجاورة الملائكة ومنادمتهم وهي من السعداء وأما النارية والشيطانية فيتأذى بمجاورة الشيطان وأهل النار وذلك بما كسبت قلوبهم.
وسبب التأذي أن هذه الأخلاق الردية والعادات البدنية كلها مؤذية مؤلمة بحسب الحقيقة وإنما لم يقع الإحساس بأذيتها لأجل سكر الطبيعة وغمور النفس في اشتغال البدن فإن العداوة والبغضاء والحسد والنفاق والعجب ونظائرها من