من حيث إنها سامعة يلمس المقروع أو المقلوع من الهواء كما يتوهم من كلامه على ما مضى.
فالملخص أن الملائم والمنافي للحواس التي هي قوى جسمانية ولمحالها التي هي أجسام مركبة من أجسام بسيطة أولية الكيفيات هما مدركات الحواس الثلاث على الترتيب الذي ذكرناه.
وأما مدركات الحاستين الباقيتين فليست ملائمة ومنافية لهما ولا لمحليهما فلهذا لا يلتذان ولا يتألمان بهما.
فهذا ما عندي في هذا الموضع والله أعلم.
فلنرجع إلى ما كنا فيه.
وأما الحواس التي في الحس الباطن فهي للحيوانات الكاملة ثلاثة أقسام ومجموعها خمس ولنتكلم فيها.
فصل في القسم المدرك للصور الجزئية وهو اثنان فالأول منه الحس المشترك ويسمى بنطاسيا أي لوح النفس وهي قوة مرتبة في مقدم التجويف الأول من الدماغ ومبادي عصب الحس ويقبل جميع الصور المنطبعة في الحواس الظاهرة بالتأدي إليه من طرق الحواس من جهة الأعصاب الحاملة للروح البخاري فهو كحوض ينصب فيه أنهار خمسة. والدال على وجوده أمور:
أحدهما مشاهدة القطرة النازلة خطا والنقطة الجوالة بسرعة دائرة وليس ارتسامهما في البصر لعدم حصول المقابلة إلا القطرة أو النقطة فإذن ارتسامهما إنما يكون في قوة أخرى غير البصر يتصل فيها الارتسامات المتتالية بعضها ببعض فيشاهد خطا.
والثاني أنا نحكم ببعض المحسوسات الظاهرة على بعض كالحكم بأن هذا الأبيض هو هذا الحلو وهذا الأصفر هو هذا الحار وكل من الحواس الظاهرة لا يحضر عندها