فصل في بيان عناية الله تعالى في خلق القوى المحركة وأما بيان ما أنعمه عليك من القوى التحريكية التي هي طائفة أخرى من جنود الله وكيفية نظمها وترتيبها فيك فهو أنه تعالى لو خلق المشاعر والمدارك حتى تدرك الأمور التي لها مدخل في استكمالك وحفظ بقائك ما دمت في دار الدنيا من أسباب التغذية وغيرها حتى تدركها من بعد أو قرب ولم يخلق لك ميل في الطبع وشهوة له وشوق إليه يستحثك على الحركة لكان الإدراك معطلا فاضطررت أن يكون لك ميل إلى ما يوافقك يسمى شهوة ونفرة عما يخالفك ويسمى كراهة لتطلب بالشهوة وتهرب بالكراهة فخلق الله تعالى فيك شهوة الغذاء وسلطها عليك ووكلها بك كالمتقاضي يضطرك إلى التناول حتى تغتذي وتبقى بالغذاء.
وهذا مما يشارك فيك الحيوان دون النبات.
ثم هذه الشهوة لو لم تسكن إذا أخذت مقدار الحاجة من الطعام أسرفت وأهلكت نفسك فخلق الله تعالى الكراهة عند الشبع لتترك الأكل بها لا كالذرع فإنه لا تزال يجذب الماء إذا انصب في أسافله حتى يفسد فيحتاج إلى آدمي يقدر غذاءه بقدر الحاجة.
وكما خلقت لك هذه الشهوة لبقاء شخصك خلق شهوة الوقاع لبقاء نسلك ونوعك.
ثم لو لم يخلق فيك الغضب الذي به يدفع كل ما يضارك ولا يوافقك لبقيت معرضا للآفات وعرضة للبليات من جهة الأعادي والأضداد فتحتاج إلى داعية في