الحيوانات وأشرفها الإنسان وأكثره ناقص والكامل منه لا ينال تمام الكمال فإنه لا ينفك عن اختلاف الأحوال فيكون أبدا ناقصا فاقدا لأمر ممكن له ولو حصل له لكان أكمل والجواهر العلوية كاملة ثابتة على كمالها الممكن لها بالفعل ما فيها شيء من القوة إلا ما رجع إلى أخص عرض وأيسر غرض وهو الوضع كما سيأتي. وأما أن العالي لا يلتفت إلى السافل ولا يقصده فلأن ما يراد من الشيء فهو أخس من ذلك الشيء البتة لأن الغاية والثمرة أشرف من ذي الغاية وذي الثمرة وقد مر هذا في بحث الإرادة فلا يقصد الأشرف الأخس إلا لأجل ما هو أشرف البتة.
وليس أيضا حركتها لأجل جسم فلكي أو نفس فلكية وإلا لزم توافق الأفلاك في الحركة جهة وليس كذلك.
فثبت أن غاية حركتها ليست جواهر جسمانية ولا نفسانية ولا أعراضا قائمة بالأجسام والنفوس وهو ظاهر.
فيكون محركها الغائي أمرا عقليا لا نفسيا ولا جرميا ولا ما هو أخس منها وسيأتيك توضيحه.
فصل في إثبات كثرة العقول ولنمهد لبيان ذلك أصلين:
الأصل الأول:
أن السماوات لما دلت المشاهدة والرصد على كثرتها فلا بد أن يكون طبائعها مختلفة ولا يكون من نوع واحد بوجهين:
أولهما: أنها لو كانت من نوع واحد لكانت نسبة بعض أجرامها إلى بعض كنسبة بعض أجزائها إلى جزء واحد ضرورة اتحادها في الطبيعة. وإذا كانت كذلك لكانت الكل متواصلة والانفصال لا سبب له إلا تباين الطبع.
وهذا كما أن الماء لا يختلط بالدهن إذا صبت عليه بل يجاوره متبائنا والماء يختلط بالماء ويتصل به كالدهن بالدهن فكذلك هاهنا إذ لا مانع من الاتصال مع تشابه الكل في الحقيقة.