وألم المفارقة بينهما مع أن البدن كالثقل الكثيف والنفس كالنور اللطيف لقضيت العجب وقلت كيف يتصور الازدواج بين النور والظلمة والايتلاف بين العلوي الذي قال الله تعالى تعظيما لشأنه و رفعناه مكانا عليا وقال إن كتاب الأبرار لفي عليين. والسفلي المشار إليه بقوله إن كتاب الفجار لفي سجين إذ بينهما من المنافرة والمخالفة في الماهية ما لا يخفى على البرية.
فانظر كيف تلطف الخالق بحكمته التامة وأنعم بحسن عنايته العامة أن خلق البدن الكثيف من مادة النطفة ومن لطافته القلب الصنوبري ومن لطافته الدم الخالص ومن صفوته الروح البخاري التابعة في العضو الرئيس التي هي في اللطافة والصفاء كالفلك البعيد عن التضاد وفي التوسط بين الأطراف الخالي عنها المشابهة للسبع الشداد فمن جهة صفائها ونقائها ونورها وضيائها وبعدها عن التضاد الموجب للفساد يصير منزلا أولا للوارد العيني والوليد النوري والمعسكر لقواه ومجند لجنوده ومرآة بها تدرك الصور الجزئية الموجودة كله كما أن النفس مرآة تدرك الصور العقلية الكلية للحقائق فبالمرآتين تدرك صور الكونين.
فإذن في الإنسان شيء كالملك وشئ كالفلك فصار بهذين الاعتبارين مغرب العالمين ومنتهى الإقليمين.
فانظر إلى القدرة والحكمة ثم إلى اللطف والعناية ثم إلى المجد والكرم تظهر لك عجائب الحضرة الربوبية.
فصل في عنايته تعالى في خلق الأرض وما يتكون منها فإذ عرفت العناية الربانية في نفسك وبدنك فانظر إلى الأرض التي مقر