تنبيه تقديسي كل ما كان وجوده في نفسه أتم فمعقوله في الذهن أتم إذ الحقائق إنما تحصل في العقل بأنفسها لا بأظلالها وأشباحها فعلى حسب وجودها خارج عقولنا يكون معقولها مطابقا لموجودها فإن كانت كاملة الوجود كالدائرة والمربع والعدد وأشباهها كان المعقول هي أيضا معقولا تاما لأنها في أنفسها كاملة الوجود وإن كانت ناقصة الوجود كالحركة والزمان والهيولى وأشباهها كان المعقول منها معقولا ناقصا إذ هي في أنفسها ناقصة الوجود وهذا المعنى في العلم الذي لا يكون بالارتسام والتمثيل بل بمجرد الإضافة الإشراقية أوضح فإن المعقول هناك بعينه الموجود الخارجي فإذا كان الواجب القيوم من فضيلة الوجود في أعلى أنحائه ومن كمال الفعلية في أرفع المراتب.
فحينئذ يجب أن يكون المعقول منه على نهاية الكمال أيضا وحيث نجد الأمر على خلاف ذلك فينبغي لنا أن نعلم أن هذا ليس من جهته إذ هو في ذاته على الكمال الأقصى ولكن لضعف عقولنا وانغماسها في المادة وملابستها القوى والأعدام يعتاص إدراكه وتعسر تعقله على ما هو عليه في ذاته فإن إفراط كماله وشدة نوريته يبهرها فلا تقوى على إدراكه على التمام وإن كنا نعقل سائر الأشياء بإفاضته وإشراقه أو لا ترى أن الضوء المحسوس الذي هو أول المبصرات وأكملها وأظهرها وبه تصير المبصرات التي هي مبصرة بالقوة مبصرة بالفعل ينبغي أن يكون ما هو أشد منه وأتم كان إدراك البصر له أكثر ولما وجدنا الأمر على خلاف ذلك فعلمنا أن هذا ليس لخفائه ونقصه بل لشدة كماله في النورية المحسوسة تبهر الأبصار وتكل الحاسة عن إدراكه ويضعف فكذلك قياس كمال الحق الأول وقوة لمعانه ونقص عقولنا وضعفها وكلالها عن إدراكه وبما بيناه تحقق أن الأشياء التي يكون المعقول منها لنفوسنا ضعيفا ولا ندركها حق إدراكها على ما هي عليه في أنفسها على ضربين: ضرب ممتنع ذلك في حقه من قبل