العالم كلها بحيث يجمع في رباط ويتصل بعضها ببعض كسلسلة واحدة يتحرك أولها بتحرك آخرها بأن يتنازل الآثار ويتصاعد الهيئات من العالي إلى السافل ومن السافل إلى العالي ولكن لا على وجه ينافي قواعدهم من لزوم التفات من العالي للسافل أو تأثير من السافل في العالي بل على وجه آخر يعرفه الراسخون في العلم والعرفان.
كذلك هيئة النفس والبدن يتصاعد ويتنازل من موطن أحدهما إلى موطن الآخر فكل منهما ينفعل عن صاحبه سواء كانت تلك الهيئات علمية أو عملية فكل صفة بدنية فعلية أو إدراكية صعدت إلى عالم النفس صارت عقلية وكل ملكة نفسانية فعلية أو إدراكية نزلت إلى عالم البدن صارت حسية. واعتبر بصفة الغضب كيف يوجب ظهورها في البدن احمرار وجهه وبصفة الخوف كيف يوجب نزولها فيه اصفراره وكذا الفكر في المعارف والحقائق وسماع آية من الملكوت كيف يوجب اقشعرار البدن ووقوف أشعاره واضطراب جوارحه.
وانظر كيف يرتفع صورة المحسوسات التي صادفها البدن وأدركتها القوى البدنية إلى عالم العقل الإنساني وكان محسوسا مشاهدا بالحواس في عالم الجرم فصار معقولا غائبا عن الأبصار مدركا بالبصيرة والاعتبار.
وهكذا فافعل ذلك مقياسا في جميع ما وردت به الشرائع الحقة فاحكم أولا إيمانك محملا في حقيقة كل مأمور به أو منهي عنه فيها بما يرجع إلى تقوية الجنبة العالية منك وحفظ جانب الله وإعلاء كلمة الحق ورفض الباطل والإعراض عن الجنبة السافلة ومحاربة أعداء الله واتباع الشيطان داخلا وخارجا بالجهادين الأكبر والأصغر.
فصل فيه إشارة تفصيلية إلى منافع بعض الأعمال المقربة إلى الله تنبيه خشوع الجوارح وخضوع البدن بعد تلطيفه وتنزيهه وتطهيره مع ذكر الله تعالى باللسان وتحميده وتمجيده والإعراض عن الأغراض الحسية والامتناع عنها بكف الحواس