من الغيب فيحدث به ويجري على لسانه كأنه أيضا غافل عما يحدث به وهذا يوجد في بعض المجانين والمصروعين وبعض الكهنة فيحدثون بما يكون موافقا لما سيكون. وهذا نوع نقصان يظنه الجهلة كمالا وولاية والسبب الأول نوع كمال.
إشارة تحصيلية ولعل بعض المتفلسفة والمتشبهة بأرباب التحصيل والكمال قعدوا لقصور نظرهم في حضيض المباحثة والجدال ولم يرتفعوا لانحطاط درجات نظرهم إلى ذروة الذوق والحال اعتراهم الشك في سبب رؤية الإنسان في اليقظة صورا لا وجود لها في الخارج حيث لا يراها كل حاضر سليم الحس.
فليتدبر أو يسمع من كان له منهم قلب أو ألقى السمع وهو شهيد بعد تأمله ما أسفلناه من القواعد التي يقرب النفس تدبرها لأن يستعد لفهم المعاني التي من هذا القبيل.
وهو أن النفس كلما يدركها في عالمها وصقع قواها الباطنة على سبيل التخيل لا شبهة لأحد في أنها يتفاوت ظهورا وخفاء تفاوتا يذهب به في حدود الخفاء إلى حد الذهول والنسيان وفي حدود الظهور والجلاء إلى حد الرؤية والمشاهدة.
فكما يمكن أن يذهب في الخفاء من حد يسمى بالتخيل إلى غاية يسمى بالذهول فكذلك يمكن أن يبلغ في الظهور من حد التخيل إلى حد يسمى بالرؤية.
والرؤية ليس من شرطها أن يكون بالعين ولا المرئي إنما يسمى مرئيا لكونه يحصل بسبب العين بل لأنه غاية انكشاف الشيء فإذا وقعت غاية الانكشاف بقوة أخرى كانت حقيقة الرؤية بحالها. فالصور التي يراها النائمون في عموم أوقات نومهم ليست هي بعينها موجودا في المواد الخارجية وليست حاصلة أيضا في القوى المنطبعة الدماغية لامتناع انطباع العظيم في الصغير. على أنها يراها الإنسان منفصلة عن ذاته مباينة لها كالسماء والأرض والأشجار وغيرها بل في عالم آخر غفل عنه