استحقاق الجنة عند آخرين ويكون سعة المملكة في الجنة بقدر سعة المعرفة وبمقدار ما يتجلى للإنسان من الله وصفاته وأفعاله وإنما مراد الطاعات وأعمال الجوارح (2) كلها تصفية النفس وتزكيتها وجلاؤها بإصلاح الجزء العملي منها قد أفلح من زكاها و قد خاب (3) من دساها ونفس التزكية والتصفية ليست كمالا وزينة لأنها أمر عدمي والأعدام ليست من الكمالات بل المراد منها حصول أنوار الإيمان أعني إشراق نور المعرفة بالله وأفعاله وكتبه (4) ورسله واليوم الآخر وهو المراد بقوله تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام... فهو على نور من (5) ربه.
فصل في بيان السعادة والشقاوة الحسيتين في الآخرة دون العقليتين اعلم أن الأنفس الجاهلة جهلا بسيطا دون ما هو مضاد للحق إن كانت خيرة ولم يحدث منها شوق إلى المعقولات البتة على سبيل القطع واليقين فإنها إذا فارقت كانت باقية لأن كل نفس ناطقة غير هيولانية باقية لأنها مجردة وقد حصلت لها في البقاء الدنياوي فعلية بحسب إدراك ما للأوليات والفطريات وغيرهما فلا سبيل للعدم إليها.
وأما العقول الهيولانية ففي بقائها بعد البدن تردد فلهذا اختلفت الحكماء في ذلك والمنقول من الإسكندر الأفروديسي من تلامذة المعلم الأول القول بفسادها فإذا كانت باقية ولم يرتسخ فيها هيئات بدنية ورذائل نفسانية حتى يكون معذبة متأذية بتلك الهيئات المنافية للنفس المضادة لجوهرها ولا يمكن أيضا أن يكون معطلة من الأفعال والانفعالات إذ لا معطل في الوجود.
ولما كانت رحمة الله واسعة والوجود خير من العدم والخلاص فوق الهلاك فلا محالة يكون لها سعادة وهمية من جنس ما يتوهمه ويبلغ إليه همته من الحور والقصور والسدر المخضود والطلح