ولذا قيل: ما من مذهب إلا وللتناسخ فيه قدم راسخ. وظني أن ما نقل عن أساطين الحكمة كأفلاطون ومن قبله من أكابر الفلاسفة مثل سقراط وفيثاغورث وأنباذقلس وآغاثاذيمون وهرمس المسمى بوالد الحكماء من إصرارهم على مذهب التناسخ وما نقل عن أرسطاطاليس من رجوعه عن رأيه في إبطال التناسخ إلى رأي أستاده أفلاطون في جوازه ما هو إلا بالمعنى الذي ذكرناه من انبعاث النفوس الإنسانية الناقصة في العلم والعمل في النشأة الآخرة على صور حيوانات مختلفة مناسبة لأخلاق مختلفة غلبت عليهم في الدنيا وانبعاث النفوس المتوسطة فيهما أو الناقصة في العلم فقط على صور حسنة مناسبة لأخلاقهم الحسنة كما سيجيء تحقيقه وذلك لبطلان التناسخ بالمعنى المشهور كما سنذكره.
وأما النفوس الإنسانية الكاملة فيهما أو في العلم (فالجميع متفقون على خلاصهم عن الأبدان مطلقا سواء كانت أجساما دنياوية وأشباحا مثالية وسواء كان النقل حقا أو باطلا وذلك لكونهم عقولا مستفادة منخرطين في سلك القوادس المفارقة عن عالم المواد والحركات بالكلية.
إشارة تحصيلية أما بيان إبطال التناسخ بمعنى انتقال نفوس الأشقياء وغيرهم من الناس إلى أجساد الحيوانات المناسبة لها في الأخلاق والأعمال من غير خلاص كما ذهب إليه شرذمة قليلة من الحكماء وهم المعروفون بالتناسخية وهم أقل الحكماء تحصيلا حيث ذهبوا إلى امتناع تجرد شيء من النفوس بعد المفارقة لأنها جرمية دائمة التردد في أبدان الحيوانات وغيرها فهو أن تلك النفوس لا يخلو إما أن يكون منطبعة في الأبدان أو مجردة وكلا القسمين محال.
أما الأول فلما عرفت من استحالة انطباع النفوس الإنسانية ومع استحالته ينافي مذهبهم أيضا لامتناع انتقال الصور والأعراض من محل إلى محل آخر.
وأما الثاني فلأن العناية الإلهية مقتضية لإيصال كل ذي كمال إلى كماله وكمال النفس المجردة أما العلمي فبصيرورتها عقلا مستفادا فيها صور جميع