المناسبة لبعض الأبدان الحيوانية المعذبة في الدنيا ليبقى معذبة جزاء لأعمالهم.
والجواب أنا لا نسلم أن نفوس الأشقياء إذا حصل لها في الدنيا نوع اتصال بالمبادي لأجل تعطل الحواس الظاهرة عن أفاعيلها وجب أن يحصل لها ذلك في الآخرة أيضا لجواز أن يكون نفوسهم فيها أشد اشتغالا عن المبادي بما غشيتهم من عظائم الأهوال والشدائد والدواهي التي لم يبق لهم معها التفات إلى شيء غيرها لأنهم المردودون المقيدون بسلاسل والأغلال المحجوبون عن مشاهدة عالم الأنوار المشار إليهم في الكتاب الإلهي كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقد حيل بينهم و بين ما يشتهون.
ومنها أن للحيوانات شيئا ثابتا في تمام عمرها ولا شيء من أعضاء بدنها إلا وللتحيل فيه لأجل الحرارة الغريزية والغريبة الداخلة والخارجة من الهواء المحيط به سبيل ولو يسيرا يسيرا وليس لأحد أن يقول: إن في فرسية هذا الفرس ونفسه دائما في الانتقاص ولها إدراكات كلية لأنا قد نرى أنه إذا ضرب واحد منها بخشبة ثم بعد حين جررت له خشبة يهرب ولو لا أنه بقي في ذهنه معنى كلي مطابق لضرب من ذلك النوع لم يهرب ولما امتنع إعادة عين الضرب الماضي بل العائد مثله لا عينه فإدراكه ليس بالمعنى الجزئي.
ثم قد نرى هذه الحيوانات مع اشتراكها في الحيوانية مختلفة في قربها إلى العالم الإنساني وبعدها حتى أن بعضها في غاية القرب من أفق الإنسان كالقردة في الأفعال والطوطي في الأقوال وفي بعضها ضربا من القوة العملية وفي بعضها ضربا من القوة العلمية ثم إن عجائب أحوال بعض الحيوانات كتكبر الأسد وحقد الجمل ورئاسة النحل وسماع الإبل المنسي له مشتهياته يشهد أن لها نفوسا غير منطبعة ينبغي أن ترتقي إلى الإنسانية وبالجملة نراها نحو كمال مترقية إلى غاية فإن كان لها ارتقاء فإلى الإنسان ثم إلى الملك وإن لم يكن لها