ما يتصوره ويهم به ويطلبه.
على أنا لا نسلم أن اللذة الحسية لا يكون إلا لدفع الألم بل يكون لنيل ما ينال الذوق من صورة الأمر اللذيذة.
ولا نسلم أن كل مشتهى ومذوق لا يفيد إلا دفع الألم بل اللذة الحسية في نفسها غاية وكمال للقوى الحسية كما عرفت. وفي الجنة ملاذ جميع المدارك إذ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فلكل أحد ما يشتهيه ويشتاقه ولهم فيها ما يدعون.
فينبغي للإنسان أن يحصل هاهنا الإدراك والتشوق لنيل المثوبات والوصول إلى الخيرات لأنه يصل كل إنسان في الآخرة إلى غاية همته ومشتهاه ونهاية رجاه ومناه بشرط أن ينهى نفسه عن هواه ويزهد في الدنيا طلبا لمثواه.
نقل وردع إن من الفلاسفة من تأول الآيات الصريحة في الحشر الجسماني فيصرفها عن الجسمانيات ويحملها على الروحانيات قائلا: إن الخطاب للعامة وأجلاف الأعراب والعبرانيون لا يعرفون الروحانيات واللسان العربي مشحون بالمجازات والاستعارات.
أقول: والعجب منه كيف غفل عن وجود عالم آخر جسماني فيه أجسام وأعراض وأشخاص جسمانية أخروية وناس أخرويون ثم كيف يحمل الآيات والنصوص القرآنية في أحوال المعاد على الأمور الروحانية وفيها مبالغات وتأكيدات لا مجال لعدم حملها على الجسمانيات.
وأيضا من لم يقدر على فهم حكاية وصفات ولذات مع ما له من القوى والمشاعر كيف يتأتى له نيلها واكتناه حقائقها مع فقده وعراه عنها و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا.
وأيضا لو كان الأمر في باب المعاد على ما توهمه لزم أن يكون الهادي للخلق والداعي لهم إلى الحق مقررا لأكاذيب.
فإن أجلاف الأعراب والعبرانيين كما قال لا يفهمون إلا هذه الظواهر التي يقرر أنها أكاذيب.
وهذا كما ترى مخالف للهداية والإرشاد والاعتقاد به مناف لدعوى الإيمان