بفصل في مبدأ التدبير للكائنات الأرضية والأمور النادرة من الخسف والزجر والوباء العام والقتل العام وكثير من الأنواع الغير المحفوظة من النبات والحيوان مما لا يمكن أن ينسب إلى عناية الحق الأول والعقول الصريحة بالذات بل بواسطة مدبر يفعل الأشياء بقصد جزئي ويتخيل الأمور وينفعل عنها فيجيب الدعوات بإغاثة الملهوفين وينتقم من الظلمة ويفعل العقوبات ويعذب قوما حل عليهم غضب الجبار كل ذلك بإذن من الحق الأول في إيجاده على سبيل العناية.
فقال بعضهم: إنه نفس متعلقة بعالم الكون والفساد. (منبثة في عالم... خ ل).
والأكثر على أنه نفس متولدة من العقول والنفوس السماوية وخصوصا نفس فلك الشمس والفلك المائل وأنه يدبر لما تحت فلك القمر بمعاضدة الأجرام الكوكبية وبسطوع نور العقل الفعال وبالجملة لا بد لهذا الجوهر المدبر أن يكون وجوده وجودا نفسيا ذا قوة خيالية يتخيل ويحس بالحوادث إحساسا يليق ويكون عقله منفعلا من جهة وفعالا من جهة بأن يكون كلما أحس بأمر حادث عقل صورة الكمال له والمصلحة فيه والطريقة المؤدية إليه.
وقد لزم من عقله لوجه الخير انفعال المادة العنصرية واكتساؤها في الخارج بصورة ذلك المعقول ولم يكن أيضا من المستبعد أن يهلك قوما غلب عليهم العصيان والكفر وأن يحدث نارا أو زلزلة أو وباء إلى غير ذلك من الأمور الغير المعتادة كتسخين بارد وتبريد حار وتحريك ساكن وتسكين متحرك فحينئذ يحدث أمور لا عن أسباب طبيعية على مجرى طبيعي وذلك لأجل تعقله لوجه المصلحة الذي يتبعه انفعال المادة انفعالا بدنيا من تخيل أسباب الغضب والشهوة وغيرها.
فلا ينبغي أن ينكر أمثال هذه الوقائع في بدن العالم ونفسه فإن العالم مشتمل على قوى فعالة ومنفعلة