فإن موجودية الممكنات كما سبق القول فيه مرارا عبارة عن انتسابها وارتباطها إلى الوجود القائم بذاته انتسابا وارتباطا مجهول الكنه.
ومفهوم الوجود أعم من ذلك الأمر القائم بذاته ومن الأمور المنتسبة إليه من ذلك النحو من الانتسابات.
وصدق المشتق لا ينافي قيام المبدإ بذاته الذي مرجعه إلى عدم قيامه بالغير ولا يكون ما صدق عليه أمرا منتسبا إلى المبدأ لا معروضا له بوجه كما في اللابن والتامر على أن إطلاقات اللغويين وأهل اللسان لا عبرة لها عند أبناء الحقيقة ولا الحقائق يقتنص منها.
وكون المشتق من المعقولات الثانية والمفهومات العامية والبديهيات الأولية لا يصادم كون المبدإ حقيقة متأصلة متشخصة مجهول الكنه إذ ثانوية المعقول وتأصله قد يختلف بالقياس إلى الأمور.
وانتزاع هذا المفهوم البديهي عن حقيقته تعالى ليس بحسب تمثله في الذهن بل بنحو آخر أشرنا إليه سابقا.
فاستقم في هذا المقام ولا تتبع الأوهام التي تزل بها الأقدام والأفهام.
فصل إله العالم واحد لا شريك له في الإيجاد والبراهين الماضية إنما دلت على أن الواجب بالذات واحد والآن نريد أن نبين وحدة الإله الخالق للعالم إذ مجرد وحدة الواجب بالذات لا يوجب كون الإله المؤثر في العالم واحدا.
فنقول: قد علم أن واجب الوجود بذاته واحد لا شريك له في الوجوب الذاتي بل في حقيقة الوجود وكل موجود سواه ممكن بذاته وبه صار واجبا موجودا.
فبوجوب استناد كل الموجودات وارتقائها إليه تعالى يلزم أن يكون وجودات الأمور كلها مستفادة من أمر واحد هو الواجب الوجود بذاته.
فالأشياء كلها بالقياس إليه محدثة ونسبته إلى ما سواه نسبة ضوء الشمس لو كان قائما بذاته إلى الأجسام المستضيئة عنه المظلمة بحسب ذواتها فإنه بذاته مضيء وبسببه يضيء كل شيء.
وأنت إذا شاهدت إشراق الشمس على موضع وإنارته بنورها ثم حصول نور آخر من ذلك النور