تقويم تحصيلي وتكميل تمثيلي اعلم أن النفس الإنسانية حاملة للبدن لا البدن حامل لها كما ظن أكثر الخلق حيث قرع أسماعهم أنها زبدة العناصر وصفوة الطبائع وظنوا أن النفس يحصل من الجسم وأنها تقوى بقوة الغذاء ويضعف بضعفه وليس الأمر كما توهموه إنما النفس يحصل الجسم ويوجده وهي الذاهبة به في الجهات المختلفة وهي معه ومع قواه وأعضائه تديره حيث ما دارت تذهب به حيث ما ذهبت من هبوط إلى سفل أو طلوع إلى فوق حيث يمكنه مع كثافة البدن.
وأما الطلوع إلى السماء وعالم النور والضياء وجنة هورقليا فلا يمكنها أن يرتقي إلى هناك بهذه الطينة الكثيفة بل يتصور الطلوع إليها إذا تخلصت من هذه المظلمة الكثيفة كما أن الطلوع إلى جنة المقربين وصقع الكروبين مثل الأفلاطونيين لا يتيسر لها إلا إذا انفصلت عن علوق الأجرام والأشكال وامتزاج الصور والأمثال ولها درجات أخرى فوق هاتين أدناها ما يتوقف على طرح الكونين ورفض العالمين.
والغرض من هذا الكلام أن النفس الإنسانية أجل من أن يتبع البدن في الوجود والهلاك والكون والفساد والقوة والضعف والكمال والنقص وليس الأمر على ما ظنه الجمهور من الطبيعيين والأطباء أن قطع تعلق النفس من البدن تابع لاختلال البنية وفساد مزاج البدن بل الحق أن النفس أولا ينزجر عن البدن على التدريج لرجوعها الطبيعي إلى عالم آخر وانتقالها قليلا قليلا إلى نشأة ثانية لها لأجل حصول تجوهرها واستقلالها يسيرا يسيرا حتى إذا بلغت غايتها من التجوهر ومبلغها من الفعلية والاستقلال في الذات ينقطع تعلقها عن البدن بالكلية وهذا هو الأجل الطبيعي القضائي دون الأجل الاخترامي الذي هو بحسب القواطع الاتفاقية القدرية.
فمنشأ ذبول البدن بعد سن الوقوف شيئا فشيئا إلى أن يهرم ثم يعرض الموت هو فطورات النفس بحسب مراتب قربها إلى النشأة الثانية التي هي النشأة توحدها وانفرادها عن البدن واستقلالها في الوجود.
وهذه الحالات المشاهدة للبدن من الشباب والشيب والهرم والموت تابعة