وتعمل حتى يفيض عليها العلوم من دون توسط تعليم بشري بل يكاد أرض نفسه الناطقة أشرقت بنور ربها وزيت عقله المنفعل لغاية الاستعداد يضيء بنور العقل الفعال الذي ليس هو بخارج عن حقيقة ذاته وإن لم تمسه نار التعليم البشري فإن النفوس منقسمة إلى ما يحتاج إلى التعليم وإلى ما يستغني عنه والمحتاج إلى التعليم قد لا يؤثر فيه التعليم وإن طال طلبه واشتد تعبه وقد يتعلم على قرب.
وكم من شخصين متعلمين مدة واحدة سبق أحدهما الآخر بحقائق علمية مع أن اجتهاده أحق وسعيه أكثر ولكن لشدة الحدس وقوة الذكاء فيصل إلى المقام الأعلى ويرجع الآخر بخفي حنين ويصير مطرحا للشين ومع تضييعه الوقت في غير ما خلق لأجله ربما يظن بنفسه أنه نال البغية وبلغ المقام وليته كان في درجة العقل الهيولاني من غير أن يتقرر في نفسه هيئة الجهل المركب المضاد للكمال نعوذ بالله من الضلال وإليه أشير بقوله تعالى: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا إلى قوله فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وكم من شخص يستنبط الشيء من نفسه من غير تعلم.
وكما أن في طرف نقصان النورية وخموده ينتهي إلى عديم الحدس من الأغبياء يعجز الأنبياء من إرشادهم حتى يسمع خاتمهم من الملك العلام إنك لا تهدي من أحببت فيجوز أن ينتهي في طرف شدة النورية وشروقها إلى نفس شريفة شديد الحدس ينتهي إلى آخر المعقولات في زمان قصير من غير تعلم فيدرك أمورا عقلية يقصر عن دركها غيره من الناس إلا برياضات علمية في مدة طويلة فيقال له إنه نبي أو ولي. وإن ذلك كرامة أو معجزة وهو من الممكنات العقلية الأقلية كما ذكرناه.
الخاصية الثانية كمال القوة المتخيلة هو كونها قوية بحيث يشاهد في اليقظة عالم الغيب لما سبق فيشاهد الصور