يساق إليه ويماس أصله جف ويبس ولم يمكنه طلب الغذاء من موضع آخر فإن الطلب إنما يكون بشيئين:
أحدهما معرفة المطلوب والثاني القدرة على الانتقال إليه والحركة نحوه.
والنبات عاجز عنهما فلو وقف وجود الإنسان في هذه المرتبة لكان ناقصا في خلقه عاجزا في وجوده.
فصل في بيان عنايته تعالى في خلق القوى الحاسة للإنسان فانظر كيف أنعم الله تعالى عليه وشرفه بصورة أخرى امتاز بها عن النباتات وارتفع وجوده عن الانحطاط إلى درجة الساكنات وقرب بخطوة أخرى إلى مبدأ الممكنات وغاية الحركات بأن خلق له آلة الإحساس وآلة الحركة في طلب الغذاء وهما المشار إليهما في الكتاب بقوله تعالى: فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا..
ثم انظر إلى ترتيب حكمة الله ونظم الوجود في خلق الحواس الخمس التي هي آلة الإدراك فأولها حاسة اللمس وإنما خلقت لك حتى إذا مستك نار محرقة أو سيف جارح تحس به فتهرب منه وهذا أول حس يخلق في الحيوان كما مر. وأنقص درجات الحس والشعور أن يشعر بما يلاصقه ويماسه فإن الشعور بما يبعد منه شعور أتم لا محالة.
وهذا الشعور موجود لكل حيوان أو لم تر إلى الدود التي مرتبتها أنزل مراتب الحيوان إذا غرز فيها الإبرة انقبضت للهرب بخلاف النبات حيث لا ينقبض عند القطع إذ لا يحس به.
ألا إنك لو لم يخلق لك إلا هذا الحس لكنت ناقصا كالدود التي في الطين لا تقدر على طلب الغذاء من حيث يبعد عنك فافتقرت إلى حس تدرك به ما بعد عنك فخلق لك الشم ألا إنك تدرك به الرائحة ولا تدري أنها