وأشرنا إليه مرارا من الفرق بين ما يراه النائم في نومه وبين ما يراه المقبور في قبره والمحشور في حشره وإن كان مظهر هذه الصور الجسمانية القوة الخيالية التي للنفس بمنزلة القوة الباصرة التي قد يرى الأشياء عيانا وقد يرى بتخيلها ذهنا.
أما الأول من غير ضرورة شرعية أو داعية عقلية فهو عندنا إما مبدع أو كافر وبعد التفتيش يظهر أنه من أيهما بخصوصه نعوذ بالله منه.
إزالة وهم إنارة فهم إن الذي صرف النصوص الواردة في باب أخبار الآخرة عن ظاهرها ومؤداها وحول الآيات الدالة على أحوال القبر والبعث عن منطوقها وفحواها وزعم أنها عقلية أو وهمية محضة وليس لها وجود عيني جهل أو تجاهل أنه لو كان الأمر كما توهم وأوهم لزم أن يكون تشريع الشرائع للإضلال والغواية لا للإرشاد والهداية ولم يعلم أن أولئك الهداة الصادقين المعصومين عن الغلط والخطاء قرروا أن الذي قرر في نفسه العقائد الفاسدة ورسخ في ذاته العلوم الباطلة كانت نفسه ظالمة جاهلة معذبة أبدا إذ هي لا يزول عنها أبدا ولا يزول الملكات التي هي آثار الأفعال والأعمال قطعا وظاهر أن أكثر الناس يحملون هذه النصوص على ظواهرها ومعانيها الحقيقية ويعتقدون حقيتها فلو لم يكن مفهوماتها الظاهرة ومعانيها الأولية حقة لكانت ضلالات وجهالات ومن اعتقدها كان معذبا أبدا لما قرروه فيلزم أن يكون ما اكتسبه الصلحاء والأتقياء لنيل الدرجات يوجب حرمانهم عن الجنات واللذات وأن لا يكونوا في الجنة أبدا ولم يكن لهم لذات قطعا.
وهذا قول شنيع وقد صرحوا بخلافه وأجمع الكل على أن الصالح المتقي في الجنة أبدا وإن لم يحصل في الدنيا شيئا من غوامض العلوم ودقائق الأسرار.
فعلم مما ذكر أن وجود الجنة والنار وسائر الأحوال الآخرة على الوجه الذي يفهم الجمهور والعوام ويصل إليه أفهام الأنام حق مطابق للواقع بحسب الاعتقاد به يقينا ومن أنكر شيئا منها فقد ركب شططا وكان أمره فرطا.
هداية توضيحية إن كل قوة من القوى الإنسانية لها لذة وكمال يخصها وألم ونقص يناسبها