فيصير عزما فالعزم كمال الشوق.
وما قيل: إنه قد يحصل الشوق بدون الإرادة كما في المحرمات للزاهد المغلوب للشهوة فغير مسلم.
بل الشوق العقلي فيه إلى جانب الترك أقوى من الميل الشهوي إلى خلافه.
ويدل على مغايرة الفاعلة لسائر المبادئ كون الإنسان المشتاق العازم غير قادر على الحركة وكون القادر عليها غير مشتة.
والعلة الغائية في وجود هذه المبادئ من لدن ألطف القوى الإدراكية وأعلاها إلى أكدر القوى التحريكية وأنزلها في الحيوان المحافظة على الأبدان بحسب كمالها الشخصي والنوعي وفي الإنسان تلك المحافظة مع ما يتوسل بها إلى اكتساب الخير الحقيقي والكمال الأبدي بحسب العلم والعمل.
فإن البارىء جلت عظمته جعل في جبلة الحيوان الجوع والعطش ليدعوها إلى الأكل والشرب ليخلف على أبدانها بدلا عما يتحلل ساعة فساعة لكون الأبدان دائمة التحلل والذوبان.
وجعل أيضا في جبلتها الشهوات المختلفة ليدعو بها المأكولات المختلفة الموافقة لأمزجة أبدانها وما يحتاج إليه طباعها.
وجعل فيها اللذة بقدر الحاجة ليأكل بقدر الحاجة ولا يزيد عليه ولا ينقص.
وجعل لنفوسها الآلام والأوجاع عند الآفات العارضة لأبدانها ليتحرص نفوسها على حفظ أبدانها من الآفات إلى أجل معلوم وخلق لها القوى الإدراكية من الحواس وغيرها ليتميز الملائم عن المنافر والنافع عن الضار فيطلب إحداهما بالشهوة ويهرب عن الآخر بالغضب ليديم بقاءها سالمة عن الآفات عناية من الله تعالى لخلقه ورحمة منه على عباده.
فصل في القوى الإدراكية وإنما أخرناها عن التحريكية لأن الحركة في الحيوان أشرف من الإدراك لكونها غاية