بالغوا في مناقصة هذا الرأي ولم يجوزوا التفاوت في نفس ماهيات الأشياء بوجه من وجوه التشكيك مع أن الوجود عندهم من الاعتباريات الذهنية وأنهم قالوا ب: تقدم ماهية العلة على ماهية المعلول فإذا كانت العلة والمعلول كلاهما جوهرين يلزمهم الاعتراف بأن جوهر العلة في باب الجوهرية أقدم من جوهر المعلول وهم يتحاشون عن ذلك وسيجئ زيادة تحقيق لهذا في مستأنف الكلام (إن شاء الله تعالى).
فصل في أن واجب الوجود لا شريك في هذا المفهوم اعلم أنك كما قد تعقل المتصل مثلا نفس المتصل كالجزء الصوري للجسم من حيث هو جسم وقد تعقل شيئا ذلك الشيء هو المتصل كالمادة له فكذلك قد تعقل واجب الوجود بما هو واجب الوجود وقد تعقل شيئا ذلك الشيء هو واجب الوجود ومصداق الحكم به ومطابقته في الأول حقيقة الموضوع فقط وفي الثاني هي مع حيثية أخرى سواء كانت انتزاعية أو انضمامية.
وكل واجب الوجود إن لم يكن نفس واجب الوجود بل له حقيقة تلك الحقيقة متصفة بكونها واجب الوجود ففي اتصافها به يحتاج إلى عروض هذا الأمر وإلى جاعل يجعلها كذلك أو يجعلها حتى يتصف به على اختلاف القولين فهي في حد ذاتها ممكنة وبذلك صارت واجبة الوجود وكل ما كان كذلك لا يكون واجب الوجود لذاته كما علمت سابقا فكل واجب الوجود بذاته فهو نفس واجب الوجود بذاته.
وأما ما قال بعضهم من: أن ماهية الأول تعالى أعلى من وجوب الوجود بل هي ماهية لا اسم لها إذا عقلت يلزمها في العقل أنها واجبة الوجود فيجب أن يأول معنى قوله: أعلى من وجوب الوجود ويلزمها في العقل هذا أنا لا يمكننا أن نتصور وجوب الوجود إلا مع تركيب فيكون للوجود مفهوم وللوجوب مفهوم آخر.
وأما الوجود الذي وجوبه تأكده وكماليته فهو بسيط فلا اسم دال عندنا على ما يليق بكماليته وبساطته وهذا التركيب المأخوذ بحسب مفهوم هذا اللفظ إنما هو لازم من لوازمه.