بالعقل النظري ومستعد لأن يتحرز من الآفات ويتصرف فيما دونها بالعقل العملي.
ولكل منهما مراتب استعداد وكمال وحركة إلى الكمال.
فالأول يسمى من كل منهما عقلا هيولانيا والغاية عقلا بالفعل والأوسط عقلا بالملكة كما سنشرحه.
والأوسط في الأول المقدمات الأولية وفي الثاني الآراء المشهورة وهيئات أخرى.
فصل في مراتب القوة النظرية وهي أربعة الأولى ما يكون للنفس بحسب الفطرة وهو تهيؤها بحسب ذاتها لدرك المعاني المعقولة حين خلوها عن جميع المعقولات البديهية والنظرية.
وذلك التهيؤ هو العقل الهيولاني والعقل بالقوة تشبيها للنفس بالهيولى الجسمية الخالية في ذاتها عن الصور المحسوسة مع قبولها للمحسوسات كلها.
فكذلك للنفس هيولى لا صورة لها ولكن تقبل كل صورة معقولة.
وكما أن هيولى الأجسام ما دامت مصورة بصورة خاصة لا تقبل غيرها كذلك العقل بالقوة لو كان لها صورة مخصوصة لما صلح لأن يقبل غيرها كاللوح المكتوب ولكنه استعداد محض.
وليس لقائل أن يقول إن علم النفس بذاتها وبقواها القريبة منها التي هي جنودها فطري كما سبق ذكره فكيف تكون النفس في مبدأ فطرتها قوة محضة لأنا نقول: لا منافاة بين هذا الكلام وبين المذكور بعد التعمق فإن نحو العلم لما كان تابعا لنحو الوجود بل عينه فالوجود المفارقي الذي لا يتقوم وجوده من أمور غريبة عن ماهيته نحو وجوده بعينه نحو علمه بذاته.
فكل ما كان وجوده قويا كان علمه بذاته أيضا شديدا.
وكل ما كان وجوده ضعيفا أو بالقوة كان علمه بذاته أيضا كذلك.
والنفس الإنسانية في أول نشأتها لا استقلال لها في الوجود فإنها وإن كانت جوهرية