الخارقة للعادات إلا أن نفسه من المعجزات العقلية التي كلت أذهان العقلاء عن دركها وخرست ألسن الفصحاء عن وصفها.
فصل في بيان الفرق بين الإلهام والتعلم في استكشاف الحقائق اعلم أن العلوم ليست لازمة ضرورية وإنما يحصل في باطن الإنسان في بعض الأوقات بوجوه مختلفة فتارة يهجم عليه كأنه ألقي فيه من حيث لا يدري سواء كان عقيب شوق وطلب أو لا ويقال له الحدس والإلهام.
وتارة يكتسب بطريق الاستدلال والتعلم فيسمى اعتبارا واستبصارا.
ثم الواقع في الباطن بغير حيلة الاستدلال وتمحل التعلم والاجتهاد ينقسم إلى ما لا يدري الإنسان أنه كيف حصل ومن أين حصل وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه استفيد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقي والعقل الفعال للعلوم في النفوس.
فالأول يسمى إلهاما ونفثا في الروع والثاني يسمى وحيا ويختص به الأنبياء والأول يختص به الأولياء والأصفياء والذي قبله وهو الكسب بطريق الاستدلال يختص به النظار من العلماء.
وحقيقة القول أن نفس الإنسان مستعدة لأن يتجلى فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها واجبها وممكنها وإنما حجبت عنها بالأسباب التي ذكر في مثال المرآة فهي كالحجاب المتدلي الحائل بين النفس واللوح المحفوظ الذي هو عقل منقوش بجميع ما قضى الله تعالى به إلى يوم القيامة فتجلى حقائق العلوم من مرآة العقل إلى مرآة النفس يضاهي انطباع صورة من المرآة في مرآة يقابلها وكما أن الحجاب بين المرآتين تارة يزال بفعل اليد وتارة يزول بهبوب ريح تحركه فكذلك قد يهب برياح الألطاف الإلهية فيكشف الحجب عن عين البصيرة فيتجلى فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ فيكون تارة عند المنام فيظهر به ما سيكون في المستقبل وتمام ارتفاع الحجب بالموت به ينكشف الغطاء.