وتكدرت ولاحت في صور الأعضاء وأشكالها المتناسبة وتخاطيطها الملائمة وتسمت بالحسن والجمال فهي التي تدهش العقول والألباب وتوقع في الفتن العشاق والطلاب مع أنها ضعفت بصحبة الظلمة وتكدرت بكدر الجسم لا الجسم وعوارضه وكمياته ولواحقه فإنها جميعا بمعزل عن هذا التأثير في العقول لو لا مظهرية البدن للقوة النطقية على نحو يسع له أن يقول من رآني فقد رأى النفس.
وكما أن من توهم أن حقيقة الإنسان مجرد البدن ومزاجه زاغ عن الحق وقصر نظره على الجسم وأخلد إلى الأرض البدن غير مرتق عن هذه الهاوية المظلمة إلى ما فوقها فنظر إلى حقيقة الإنسان بإحدى العينين وهي اليسرى فكذلك من ظن أن حقيقته ليس إلا الجوهر النطقي بلا ممازجة البدن فقد أخطأ ونظر إليها بالعين العوراء إلا أنها اليمنى.
والعارف الكامل هو الذي يكون ذا العينين من غير عمى لا في اليمنى كالحشوية والمجسمية ولا في اليسرى كأتباع الفلاسفة المحرومين عن المشرب العذب المحمدي وفهم ما أنزل عليه ص من القرآن المجيد الذي كان خلفه ص الممنوعين يوم القيامة عن الشرب الذي يكون الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا وذلك لحرمانهم عن متابعة الأنبياء واستنكافهم عن الرياضات الدينية والانقيادات الشرعية واستبداداتهم لعقولهم وآرائهم وذهولهم عن مشاهدة أنوار الحضرة النبوية العالمة بمراتب الوجود وتنزلاته وتطابق العوالم بعضها على بعض والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
فصل في إثبات أن النفس الإنسانية حادثة بحدوث البدن إنها لو كانت موجودة قبل البدن لكانت مجردة وكل مجرد عن المادة وعوارضها