الوجود إنما يقع على أشياء بتقدم أو تأخر وكمال ونقص وبعض المعاني حظه من الوجود آكد كالجوهر القائم بنفسه وبعضها وجوده في درجة الضعف كالجوهر القائم بغيره وكالعرض.
وكل ما هو علة الذات فحظه من الوجود يجب أن يكون أسبق وآكد من حظه المستفيد منه فما ليس له من الوجود حظ القوام بنفسه فليس يجوز أن ينال غيره منه حظ القوام بنفسه.
وهذا شيء يحكم به الوجدان بدون المراجعة إلى البيان والبرهان وخصوصا على رأي من يكون الصادر الأول عن الجاعل عنده نفس الماهية والوجود من الاعتبارات العقلية المنتزعة عنها في مرتبة متأخرة عنها نحوا من التأخر إذا لمع بالقياس إلى علته عنده كنحو الشبح من ذي الشبح والظل من ذي الظل وكما لم يكن الظل أشرف وأكمل من ذي الظل فكذلك المعلول من علته كيف والنفس الناطقة التي لنا مع تجردها وحياتها قصرت عن إيجاد جسم سواء كان بدنها أو غير بدنها فبأن يقصر الجسم الذي هو جوهر ظلماني ميت في نفسه عن إيجاد نفسه أو نفس أخرى كان أولى على ما يقتضيه ذوق أهل الإشراق.
فقد ثبت إذن: أن موجد النفس لا يكون جسما ولا جسمانيا فيكون مفارقة عن المواد فإن كان واجبا فهو المطلوب وإن كان ممكنا كان محتاجا إلى مرجع أشرف فينتهي لا محالة إلى واجب الوجود بذاته.
وهذه الحجة من الحجج القوية عند ذوي البصائر الثاقبة من أصحاب الحكمة المتعالية الذين حصلت لهم ملكة تجرد الأبدان وشروق الأنوار ومن استبصر بصيرته يحكم برجحانها على كثير منها.
نكتة عرشية قد تقرر في الكتب المبسوطة من العلم الأعلى والفن الربوبي: أن للعالم بجميع أجزائه نظاما جمليا واحدا وحدة شخصية يعبر عنه تارة بالإنسان الكبير وأخرى بالكتاب المبين كما يعبر عن الإنسان بالعالم الصغير تارة وبالنسخة المنتخبة أخرى وفي تفصيل التطبيق بين العالمين وكيفية مقابلة النسختين تطويل عظيم عسى