دفع العدو ومقابلته وهي داعية الغضب.
ثم هذا لا يكفيك إذ الشهوة والغضب لا يدعوان إلا إلى ما يضر وينفع في الحال أما في المال فلا يكفي منه هذه الداعية فخلق الله تعالى لك داعية أخرى تسمى بالإرادة وهي مسخرة تحت إشارة العقل المعرف للعواقب كما خلق الشهوة والغضب مسخرين تحت إدراك الحس المدرك للحالة الحاضرة فتم بهما انتفاعك بالعقل إذ مجرد المعرفة بأن هذا يضرك وهذا ينفعك لا يغنيك في الاحتراز عنه أو في طلبه ما لم يكن لك ميل إلى العمل بموجب المعرفة.
وهذه الإرادة أفردت بها عن البهائم إكراما وتعظيما لبني آدم كما أفردت عنها بمعرفة العواقب.
وقد يسمى هذه الإرادة باعثا دينيا كما قد يسمى الميل الطبيعي باعثا شهوانيا.
ولا بد مع الإدراك والإرادة المستفادة منه المنبعثة عنه إلى الطلب أو الهرب من قدرة على الحركة وآلات صالحة لفعلها.
كل آلة لطلب خاص وهرب خاص فمنها ما هو للطلب على فنونها كالرجل للإنسان والجناح للطير والقوائم للدواب.
ومنها ما هو للدفع كالأسلحة للإنسان والقرون للحيوانات.
وفي هذا يختلف الحيوانات اختلافا كثيرا:
فمنها ما يكثر غذاؤه فيحتاج إلى سرعة الحركة فخلق له الجناح ليطير بسرعة.
ومنها ما خلق له أربع قوائم.
ومنها ما له رجلان. ومنها ما يدب.
فصل في بيان عناية الله تعالى في خلق طبقات من الملائكة لإصلاح حال الإنسان وتبليغه إلى غاية الكمال والاتصال بالعقل الفعال إنه سيقرع سمعك باب من عنايته تعالى في إصلاح عباده بالأنبياء وإصلاح الأنبياء