لو لا عشق العالي لا تطمس السافل..
ثم لا يخفى عليك أن فاعل التسكين كفاعل التحريك في أن مطلوبه ليس ما تحته كالأين مثلا بل كونه على أفضل ما يمكن له كما قال المعلم الثاني: صلت السماء بدورانها والأرض برجحانها..
وقيل في الشعر:
وذلك من عميم اللطف شكر * وهذا من رحيق الشوق سكر تنبيه لما علمت أن علمه تعالى بالنظام الأوفق داع لصدور الموجودات عنه على وجه الخير والصلاح ظهر لك كذب قول الطباعية والدهرية من أوساخ الناس القائلين بأن صدور الأفلاك والعناصر وما فيهما من عظائم الأمور وبدائع الفطرة ليس مبنيا على غايات ومنافع وحكم ومصالح.
وتبين أيضا فساد ما ينسب إلى ذيمقراطيس من القول بأن وجود العالم عن الصانع على سبيل البخت والاتفاق.
ولما دريت امتناع الترجيح من غير مرجح فلا تصغ إلى الأشاعرة القائلين بصدور الفعل من القادر من غير مرجح يرجح وجوده على عدمه في الواقع أو عنده متمسكين بأمثلة جزئية.
فإن عدم العلم بالترجيح الواقع من قدحي العطشان وطريقي الهارب مثلا من جهة أسباب خفية عنا يوجب وقوع شيء في أنفسنا يكون ذلك الشيء داعيا لنا في فعلنا لا يوجب نفيه مطلقا.
كيف والعابث والنائم والساهي لا ينفك أفاعيلها الصادرة عنها من غاية خيالية وإن لم يكن عقلية أو فكرية كتخيل لذة أو زوال حالة مملة فإن التخيل غير الشعور بالتخيل وغير بقاء التخيل في الذكر فلا ينبغي إنكاره لأجل عدم انحفاظه في الذكر.
وإذ قد علم أن الأفاعيل الإرادية لا يخلو عن غايات ودواع مرجحة فما خلق مخلوق بإرادة جزافية وخصوصا إذا كان من عظائم الأمور كالأفلاك والكواكب والأنواع المحفوظة من البسائط والمركبات بنفوسها وطبائعها.
بل مع إبطال الدواعي والغايات وتمكن الإرادة الجزافية كما عليه كثير من الكلاميين لم يبق مجال للنظر والبحث ولا اعتماد حينئذ على اليقينيات لعدم الأمن