الحق خطابات إقناعية لأن يهب له المبدأ الفياض علما يقينا.
ظلمات وهمية وإشراقات عقلية أن ذوي الطبائع الوهمية قد استصعب عليهم الاطمينان بتجرد النفس بوجوه:
منها أن ما لم يكن جسما ولا مدركا بإحدى الحواس فهو لا شيء إذ الموجود هو المحسوس لا غير.
والقائلون به هم الحنابلة والكرامية وكثير من أهل الحديث والرواية من غير الدراية ولم يعلموا أن حقيقة كل شيء حتى المحسوس وما هو صرف ذاته أمر لا يدركه الحواس بل غيرها الذي هو القوة العقلية ولم يتفطنوا بأن معنى قولنا: الكل أعظم من الجزء.
هو شيء غير جسم ولا جسماني.
ومنها أنه يلزم أن يكون غير متصلة بالعالم ولا منفصلة عنه وما علموا أن خروج الشيء عن أمر ما وعدمه المقابل غير مستحيل إذا لم يكن المتقابلان كالإيجاب والسلب المحض من غير اشتراط قابلية المحل نوعا أو جنسا للملكة.
وقد يفرق بين السلبين في اللفظ أيضا كاللاعالم والجاهل واللابصير والأعمى فالموضوع قد يخرج عن هذا السلب وملكته كالحجر ليس بعالم ولا جاهل والانفصال كذلك لأنه عدم الاتصال فيما يتصور عنه ذلك فيكون كالملكة من خواص الأجسام وإن عني به عدم الاتصال مطلقا كانت النفس منفصلة.
ومنها أنها إذا لم يكن ذات جهة ووضع ومكان لزم أن يكون هي الباري وهو ما قالته الأشاعرة وأكثر المتكلمين ما سوى الطائفة الأولى وهم الذين اعترفوا بوجود موجود مجرد عن الجسمانيات لكنهم أحالوا أن يكون غير الواجب مجردا وإلا لزم الاشتراك بين الواجب والممكن فيلزم أن يكون النفس هي الباري.
وهذا مندفع بأن التجرد مفهوم عدمي والشركة في أمر عدمي لا يوجب الاشتراك في الخواص والذاتيات فإن الأشياء مع اتفاقها في عرضي أو سلبي قد يختلف بتمام حقائقها كطبيعة الجنس والفصل في نوع واحد وكالسواد والطعم في جسم واحد إذ هما يمتازان لا بمحل وبمكان إذ لا مكان للعرض ولا بوضع