إرادة الصانع هكذا. ولا يقنعون بهذا الجواب في جذب المغناطيس الحديد إذا اشتغلوا بالبحث عن علته من أن في المغناطيس قوة جاذبة للحديد وأن سبب وجودها إرادة الصانع. وليس هذا الجواب قاصرا عن الجواب الأول.
لكن القوم تعجبوا عما استندروا وجوده وألهاهم التعجب البحث عن علته ولم يعرض لهم ذلك فيما كثرت مشاهدتهم له وإن كان حكمته أعجب من حكمة المغناطيس في جذب الحديد وهو هذا الحيوان الحساس المتحرك بالإرادة الذي يغتذي وينمو ويولد بل الإنسان الذي هو عالم صغير وما يخصه من الأحكام الإنسانية.
وأقول: إن عدم تعجبهم من هذا التركيب العجيب والنظم الغريب أعجب من كل عجيب حيث إذا نظروا في كلمة مكتوبة مرقومة من قلم جمادي في قرطاس أو لوح قطعوا بأنها صنعة آدمي عالم قادر مريد متكلم. ثم أخذوا ينظرون إلى عجائب الخطوط الإلهية المرقومة على صفحات الوجود بالقلم الإلهي الذي لا يدرك الأبصار ذاته ولا حركته ولا اتصاله بمحل الخط ولم يسافروا منها إلى مشاهدة آياته الكبرى ولم يؤد تفكرهم إلى أن الذي صور ونقش وقدر لا نظير له ولا يساويه في ذاته نقاش ولا مصور كما أن لا يساوي نقشه وصنعه نقش وصنع.
فبين الفاعلين من المباينة والتباعد ما بين الفعلين فإن الذي أعمى بصيرة هؤلاء العميان مع هذا الوضوح ومنعهم اليقين بوجوده مع هذا البيان جدير بأن يتعجب منه ومن حكمته وعدله. فسبحان من هدى وأعمى وأرشد وأغوى وفتح بصائر أحبائه فشاهدوه في جميع ذرات العالم وأجزائه وأعمى قلوب أعدائه واحتجب عنهم بعزه وعلائه.
فصل في سبب حدوث الحركة لما أشرنا في الفصل السابق إلى: أن مبادئ الأمور الطبيعية لا سبب لها إلا إرادة الصانع الحكيم وهو إله العالم بجميع أجزائه كائنة أو مبدعة بسيطة أو مركبة أفلاكا أو