تبصرة تفصيلية اعلم أن لأهل الإيمان والاعتقاد بحقية الحشر والمعاد (الجسماني والروحاني) حسبما ورد في الشريعة الحقة مقامات:
الأول أدناها في التصديق وأسلمها عن الآفات مرتبة عوام أهل الإسلام وهو أن جميع أمور الآخرة من عذاب القبور وحياتها وعقاربها أمور واقعة محسوسة من شأنها أن يحس بهذه الباصرة الحسية لكن لا رخصة من الله تعالى في إحساس الإنسان ما دام في الدنيا لحكمة ومصلحة في إخفائها عن عيون الناظرين كما يدل عليه ظاهر بعض الروايات.
المقام الثاني أن تلك الأمور الموعودة في عالم الآخرة هي مثل ما يرى في المنام كلها أمور خيالية لا وجود لها في العين كما لا وجود عينيا لما يراه الإنسان في نومه من الحيات والعقارب التي يلدغها إلا أنها كثيرا ما يتألم منها في النوم حتى يصيح في نومه ويعرق وينزعج عن مكانه انزعاجا شديدا وكذا في جهة اللذة فإنه ربما يلتذ بشيء في النوم لا يمكن أن يوجد مثله في اليقظة التذاذا أو سرورا كل ذلك يدركه في نفسه ويتأذى أو بتلذذ به كما يتأذى اليقظان أو يتلذذ من مشاهدة المؤذيات واللذات العينية والنائم يشاهده وأنت ترى ظاهره ساكنا ولا ترى حواليه حية موجودة وهي موجودة في حقه فالعذاب حاصل ولكنه في حقه غير مشاهد.
وإذا كان العذاب في ألم اللدغ فلا فرق بين حية يتخيل أو يشاهد.
وكذا الحال في الجنات والأشجار والأنهار والمواضع النفيسة والأشخاص الشريفة التي يراها النائم ويسر بمنادمتها في نومه وهي حاصلة له موجودة في حقه غير موجودة في الخارج ولا مشاهدة بالحواس.
وهذا هو الذي ذهب إليه الشيخ الرئيس في باب جنة الناقصين في العلوم من الزهاد والعباد غيرهم ممن يحذو حذوهم ونار الناقصين في العمل من الفساق وغيرهم ممن نزل منزلتهم وتبعه الغزالي كما يظهر من كتبه ورسائله.