الوضع متنفرة عنها الطبائع.
كذلك كون جبلة العالم مع تفنن حركاتها وتخالف أشكالها وتغير آثارها المتولدة من الأجسام العالية في الأجسام السافلة مؤسسة على الايتلاف الطبيعي والرصف الحكمي دالة بوحدتها الطبيعية الاجتماعية على الوحدة الحقة الحقيقية فسبحان من جعل الموجودات العالمية على كثرتها متشاكلة من وجه ومتمايزة من وجه متحدة من وجه متفرقة من وجه ومتشوقة إلى الديمومية والبقاء ومهتدية لطلب المصالح والمنافع ليكون دالة على صنع قادر حكيم ومدبر عليم.
استبصار وإكمال ذهب طائفة من متألهى الحكمة ومحققي الصوفية: أن لجميع أجرام العالم نفسا واحدة ببرهان بعض مقدماته حدسية فيكون العالم كله حيوانا واحدا مركبا من نفس واحدة ذات قوى كثيرة ومن بدن واحد مؤلف من أعضاء متشابهة وغير متشابهة وذات قوى وأفعال متخالفة يستبقي بعضها ببعض وينتفع بعضها عن بعض انتفاعا بعضه محسوس وبعضه معقول.
وفي رسائل إخوان الصفا بيان كون العالم حيوانا واحدا ببسط من الكلام لا مزيد عليه.
وكذا صرح أرسطاطاليس ب: أن العالم حيوان واحد. فكما أن العقل الصريح يحكم بأن خالق زيد مثلا واحد ليس بمتعدد كذلك الفطرة السليمة يحكم بأن خالق العالم بجميع أجزائه واحد حق لا شريك له.
وهاهنا سر حكمي يجب التنبيه عليه وهو: أن كون العالم بأسره ذا أجزاء متكثرة متباينة لا يدفع كونه صادرا عن فاعل حق واحد من جميع الوجوه والحيثيات ولا يلزم من ذلك صدور الكثير عن الواحد الحقيقي لأن للعالم على ذلك التقدير (أي على تقدير كونه واحدا شخصيا) جهتين: