تقرير إفادى ومما يناسب المقام أن الشيخ الرئيس قال في فصل الثالث من المقالة السادسة من علم النفس: إن الحواس منها ما لا لذة لها لفعلها في محسوسها ولا ألم.
ومنها ما يلتذ ويتألم بتوسط المحسوسات.
فأما التي لا لذة لها ولا ألم فمثل البصر فإنه لا يلتذ بالألوان ولا يتألم بذلك بل النفس تتألم بذلك وتلتذ.
وكذا الحال في الأذن.
فإن تألمت الأذن من صوت شديد والعين من لون مفرط كالضوء فليس تألمها من حيث تسمع ومن حيث تبصر بل من حيث تلمس لأنه يحدث فيه ألم اللمس.
وكذلك يحدث فيه بزوال ذلك لذة لمسية.
وأما الشم والذوق فإنهما يتألمان ويلتذان إذا تكيفا بكيفية منافرة أو ملائمة.
وأما اللمس فإنه قد يتألم بالكيفية الملموسة ويلتذ بها وقد يتألم ويلتذ بغير توسط كيفية من المحسوس الأول بل يتفرق الاتصال والتيامه..
هذا كلامه. ونقله المسيحي من شراح القانون معترضا عليه بأن كلامه في غاية الإشكال أما أولا:
فلأنه يرى ويعتقد أن المدرك للمحسوسات الجزئية هي الحواس الخمس.
فمذهبه في هذا الموضع إن كان هو ذاك فقد ناقضه في السمع والبصر وإن لم يكن هو ذاك فيكون قوله في الشم والذوق واللمس قولا فاسدا.
وأما ثانيا فلأن كل واحد من الحواس الخمس له محسوس خاص يستحيل أن يدركه غيره وبديهة العقل حاكمة بهذا.
وحينئذ نقول: كيف يتصور أن يقال إن القوة اللامسة في الأذن والعين هي المدركة للصوت العظيم واللون المفرط وأما ثالثا فلأن ذلك يكون مناقضا لحده اللذة والألم فإنه حد اللذة بأنها إدراك الملائم من حيث هو ملائم والملائم للقوة الباصرة إدراك المبصرات لا اللامسة.