فصل في الصفات التي ينبغي أن يكون عليها الرئيس الأول بحسب كماله الأول ويكون ذلك الإنسان إنسانا قد استكملت نفسه وصارت عقلا بالفعل وقد استكملت قوته المتخيلة بالطبع غاية الكمال وكذا قوته الحساسة والمحركة في غاية الكمال كلها بنوع فعل لا بانفعال محض على الوجه الذي أومأنا إليه.
فبقوته الحساسة والمحركة يباشر السلطنة ويجري الأحكام الإلهية ويحارب أعداء الله ويذب عن المدينة الفاضلة وتقاتل المشركين والفاسقين من أهل المدينة الجاهلية والظالمة والفاسقة ليفيئوا إلى أمر الله.
وبقوته المتخيلة معدا بالطبع ليقبل إما في اليقظة أو في وقت النوم عن العقل الفعال أما الجزئيات بأنفسها وأما الكليات يحاكيها. وبقوته العاقلة يكون بحيث قد استكمل عقله المنفعل بالمعقولات حتى لا يكون بقي عليه منها شيء وصار عقلا بالفعل.
فأي إنسان استكمل عقله المنفعل بالمعقولات كلها وصار عقلا بالفعل ومعقولا بالفعل وصار المعقول منه هو الذي يعقل حصل له عقل بالفعل فيصير عقلا مستفادا متوسطا بين العقل المنفعل والعقل الفعال ولا يكون بينه وبين العقل الفعال شيء آخر.
فيكون العقل المنفعل كالمادة والموضوع للعقل المستفاد والمستفاد كالمادة والموضوع للعقل الفعال والقوة الناطقة التي هي هيئة طبيعية يكون مادة موضوعة للعقل المنفعل الذي هو بالفعل عقل.
وقد علمت منا سابقا جلية الحال في اتحاد النفس بالعقل الفعال بعد كونها صورة طبيعية للبدن المستحيل القابل للفساد والزوال وقد علمت أيضا كون العقل الفعال مع وحدته الشخصية المستحيل صدقها على الكثرة فكيف كان فاعلا للنفوس متقدما عليها وغاية متأخرة عنها وثمرة مترتبة عليها.
فعليك تذكر ذلك فإنه مقصد عال ومطلب غال فإذا جعلت الهيئة الطبيعية مادة للعقل المنفعل الذي صار عقلا بالفعل والمنفعل مادة للمستفاد والمستفاد مادة للعقل الفعال وأخذت جملة ذلك كشيء واحد كان هذا