فالحاصل أن وجود الوسواس معلوم في الإنسان بالمشاهدة والوجدان وكل خاطر فله سبب يفتقر إلى اسم فاسم سببه الشيطان ولا يتصور أن ينفك آدمي عنه لعدم انفكاكه عن الخواطر الوهمية والوسواسية وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته.
ولذلك قال ص ما من أحد إلا وله شيطان.
وهذه الشياطين الجزئية من فروعات ذلك الموجود الشرير الذي ذكرناه كما أن العقول الجزئية الإنسانية من آثار الملك الملهم بالخيرات.
فقد اتضح بهذا النوع من الاستبصار معنى الوسوسة والإلهام والملك والشيطان والتوفيق والخذلان.
رمز عرشي اعلم أن سبب وقوع النفوس الإنسانية في هذا العالم وابتلائه بهذه البليات الدنيوية التي أحاطت بهم فيها هو الخطيئة التي اكتسبها أبوهم آدم ع لنقص إمكاني في جوهره وقصور طبيعي في ذاته لما ذاق الشجرة وبدت سوأته وهي الشجرة المنتهى عن أكلها لممنوع من ذوقها نوع الإنسان.
ثم لما تمت حيلة إبليس على آدم ونال بغيته بإيصال الأذية وبلغ أمنيته بإيقاع الوسوسة عليه سأل ربه الإنظار إلى يوم يبعثون فأجيب إلى يوم الوقت المعلوم اتخذ لنفسه جنة غرس فيها أشجارا وأجرى فيها أنهارا ليتشاكل بها الجنة التي سكنها آدم وقاس عليها وهندس على مثلها هندسة فانية مضمحلة لا بقاء لها وجعل مسكن أهله وأولاده وذريته فهي كمثل السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
وذلك أنه من الجن وقد قيل إن للجن التخييل والتمثيل لما لا حقيقة له كذلك فعل إبليس وجنوده إنما هو تمويه وتزريق ومخاريق وتنميق لا حقيقة لها ولا حق عندها كالقياس المغالطى السفسطى ليصد بها الناس عن سنن الحق والصراط المستقيم