لقربه من الحق الأعلى في درجة واحدة.
تبصرة عقلية قال بعض العرفاء: كل من شاهد بنور البصيرة باطنه في الدنيا لرآه مشحونا بأصناف السباع وأنواع الهوام مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب والرياء وغيرها وهي التي لا تزال تفترسه وتنهشه إن سهى عنها بلحظة إلا أن أكثر الناس لكونه محجوب العين عن مشاهدتها فإذا كشف الغطاء ووضع في قبره عاينها وقد تمثلت له بصورها وأشكالها الموافقة لمعانيها فيرى بعينه العقارب والحيات قد أحدقت به وإنما هي صفاته الحاضرة الآن في نفسه قد انكشف له صورها. فإن أردت يا أخي أن تقتلها وأنت قادر عليها قبل الموت فافعل وإلا فوطن نفسك عن لدغها ونهشها بصميم قلبك فضلا عن ظاهر بشرتك وجسمك.
تبصرة اعلم أيها السالك إلى الله تعالى والراغب إلى نيل ملكوت ربه الأعلى أن الأمور الجسمانية والصور المادية جعلها الله تعالى كلها مثالات دالات على الأمور الغيبية الأخروية كما أنها أيضا مثالات دالات على الروحانيات العقلية التي هي عالم الجبروت وحضرة الربوبية والأشعة الإلهية وذلك لأن العوالم متطابقة وجميعها مظاهر ومنازل لأسمائه تعالى باعتبار وعين تلك الأسماء باعتبار آخر. فالأسماء على كثرتها التي لها باعتبار تعدد معانيها ومفهوماتها لا باعتبار حقيقتها ووجودها الذي هو أحدي محض بلا شوب كثرة تنزلت أولا في عالم العقول المتحصلة والقواهر المفارقة وهي عالم الجبروت وعالم القدرة والقوة ثم تنزلت إلى عالم الأشباح الروحانية والصور المثالية ثم إلى عالم المحسوسات والماديات.