وفي الكلام الإلهي إشارة إلى هذا أيضا فما أضلت الطباعية وإخوان الشياطين من الذين يتشبهون بالعلماء ويكذبون أنبياء الله ويزعمون أن العالم قديم ولا قيم له فمثواهم الجحيم وجزاهم البعد عن النعيم فصل في أن الواجب الوجود إنيته ماهيته كل ماهية يعرض لها الوجود ففي اتصافها بالوجود وكونها مصداقا للحكم به عليها يحتاج إلى جاعل يجعله كذا فإن كل عرضي معلل إما بالماهية المعروضة له وإما بأمر خارج عنها.
ولما علم من قبل امتناع تأثير شيء في وجوده من جهة أن العلة يجب أن يكون متقدمة على المعلول بالوجود وتقدم الماهية على وجودها بالوجود غير معقول بخلاف تقدمها على صفاتها اللازمة سوى الوجود وكذي الزاوية لماهية المثلث التي هي علة لها فلا محالة يحتاج تلك الماهية في وجودها إلى أمر خارج عنها وكل ما يحتاج في وجوده إلى أمر آخر فهو ممكن الوجود فلو كان الواجب ذا ماهية لزم كونه ممكن الوجود (هذا خلف) فواجب الوجود لا ماهية له سوى الإنية.
والحجة المذكورة لا تعارض بالماهية الممكنة كما عارض بها بعضهم إذ الماهية القابلة للوجود لا يتقدم على ذلك الوجود لأنها لا يتجرد عن الوجود إلا في نحو من أنحاء ملاحظة العقل لا بأن يكون في تلك الملاحظة منفكة عن الوجود فإنها أيضا نحو وجود عقلي كما أن الكون في الخارج وجود خارجي بل بأن العقل من شأنه أن يلاحظها (الماهية) وحدها من غير ملاحظة الوجود ويصفها به وعدم اعتبار الشيء ليس باعتبار لعدمه.
فإذن اتصاف الماهية بالوجود أمر عقلي ليس كاتصاف الجسم بالبياض الذي يمتاز بحسبه الموصوف والموصوف به فإن الماهية ليس لها وجود منفرد ولعارضه المسمى بالوجود وجود آخر حتى يجتمعا اجتماع القابل والمقبول بل الماهية إذا كانت فكونها بعينها هو وجودها.