الفطرة إلى ربك صاعد إليه منذ يوم خلقت نطفة في الرحم وربطت بها نفسك تنقل من حال أدون إلى حال هي أكمل ومن مرتبة هي أنقص إلى أخرى هي أعلى وأشرف إلى درجة هي أرفع إلى أن تلقى ربك وتشاهده ويوفيك حسابك وتبقى عنده نفسك أما فرحانة متلذذة مسرورة مخلدة أبدا سرمدا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا أما محزونة متألمة خاسرة متعذبة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة مع الكفرة والشياطين والفجرة والمنافقين فبئس القرين.
بل جميع الموجودات في السلوك إلى الله وهم لا يشعرون لكن هذه الحركة والسير إلى الله تعالى في الإنسان الكامل الذي يقطع أكثر القوس الصعودي إلى الله تعالى أظهر كما يعرفه أهل النظر وأصحاب الفكر من الذين لم يعم أبصارهم عن إدراك الأشياء بغشاوة التقليد والمراء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فصل في كيفية حصول العقل الفعال في نفوسنا اعلم أن للعقل الفعال وجودا في نفسه ووجودا في أنفسنا فإن كمال النفس الإنسانية وتمامها إنما هو وجود العقل الفعال واتصالها به واتحادها معه فإن ما لا وصول لشيء إليه بنحو من الاتحاد وضرب من الاتصال لا يكون هو غاية لوجود ذلك الشيء وكأنا قد أومأنا في ذلك إلى نبذ من البيان يكفي لأهل العرفان وإن استشكل الأمر على أحد من جهة أن شيئا واحدا كيف يكون مبدءا فاعليا لشيء متقدما عليه وغاية ذاتية لاحقة به بعد مراتب تصعداته في الوجود وترقياته في الكون فعليه أن ينظر في ما حققناه ويسلك الطريق الذي سلكناه في أسفارنا الإلهية ورياضاتنا القدسية حيث عرفنا بنور البرهان وشهود العيان أن المبدأ الأعلى له الأولية والآخرية لأجل انبساط وحدته الحقة وشمول هويته الإلهية التي هي فاعل الهويات وجاعل الإنيات وثمرة الوجودات وغاية