ذلك الموطن عن شهود صور هذا الموطن في اليقظة ومع سلامة الآلات على عكس حال المحجوبين وإن كان هذا أيضا نوع حجاب إلا أنه قرة عيون بعض السالكين الذين حجبت عيونهم بالآخرة عن الدنيا.
فجميع ما ذكرنا من الأحوال بواسطة ظهور سلطان الآخرة على بعض النفوس بوجه من الوجوه.
وهذا أنموذج لمعرفة أحوال الآخرة للنفوس فكل نفس إنسانية سواء كانت سعيدة أو شقية فهي إذا انقطعت تعلقاتها بالبدن وخلت ولخراب البيت ارتحلت صارت حواسها الباطنية لإدراك الأمور الآخرة أشد وأقوى فيشاهد الصور العينية الموجودة في الآخرة ولا يختص شهود الآخرة بنفس دون نفس إذ كل نفس قطعت التعلق بالبدن اختياريا كان أو اضطراريا يجب لها انكشاف الأمور المناسبة إياها التي هي من نتائج الأعمال والأفعال كما في قوله تعالى: فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فكل نفس يظهر لها هناك حسب اكتسابها في الدنيا من الأخلاق والملكات الكريمة والكريهة الحاصلة لها من أعمالها وأفعالها إما صور حسنة بهيئة كالجنات والأنهار والحور والغلمان والحلل الفاخرة والتيجان المكللة باليواقيت واللؤلؤ والمرجان أو صور قبيحة مؤلمة موحشة من الحيات والعقارب والنيران والجحيم والزقوم وتصلية جحيم.
بسط مقال لتبيين مرام اعلم أن مسألة المعاد هي ركن عظيم في الإسلام وأصل كبير في الحكمة وهي من أغمض المسائل دقة وأعظمها شرفا ورتبة قل من يهدي إليها من كبراء الحكماء من المتقدمين ومن يرشد إلى إتقانها من عظماء الفضلاء من الإسلاميين لأن أكثر الفلاسفة معتقدون بالمعاد الروحاني فقط دون الجسماني والجنة المزينة المحلاة بأنواع حليها وحللها وزنجبيلها وسلسبيلها كناية عندهم عن إدراك المعقولات والوصول إلى الحقائق