ويفسد مع فساده التصور والحفظ والذكر والفكر وإن كان جسما آخر فلكيا كما ظنه بعضهم فمعلوم أن علاقة الجوهر الروحاني إنما هي لنسبة بين المادة البدنية وبين الجوهر الروحاني فإنه نسبة حدثت بينهما بالموت أوجبت اختصاصه به وانجذابه من بين سائر الجواهر المفارقة لأبدانها إليه دون غيره من الأجرام بل إلى حيزه دون بقية الأحياز من نوع ذلك الجسم. ثم إن الجسم الذي هو موضوع تخيلات النفس يجب أن يتصرف فيه النفس وتحركه بحركات جرمية تابعة للحركات النفسانية والانتقالات الفكرية كما يعرض لجوهر الدماغ من الانفعالات والتغيرات وظاهر أن الجوهر الفلكي يأبى عن تصرف فيه من غير نفسه المحركة إياه حركة متشابهة مستمرة على نهج واحد وإن كان جرما مركبا دخانيا تحت كرة النار كما زعمه قوم فهو أيضا غير صحيح لعدم اعتدال فيه يصلح لقبول النفس المدبرة له فإنه إن قرب من النار فتحلله بسرعة إلى جوهرها وإن بعد منها ويكون في حيز الهواء فإما أن يتخلخل فيصعد بحر أو يتكاثف فينزل ببرد وليس فيه جرم محيط يغلب عليه من الصلابة واليبس ما يحفظه عن التبدد ويحرسه عن ممازجة غيره به كما للجوهر الدماغي فينا ليتعين فيه محل التخيل متشكلا به ولا بد من جوهر يابس ليتحفظ فيه الصور ورطب لتقبل. ثم لما كانت النفوس المفارقة عن الأبدان الإنسانية غير متناهية لزم مما ذكروا اجتماع المفارقات كلها على جسم من أجسام العالم فيلزم إما نهاية تلك الجواهر أو عدم نهاية ذلك الجسم وكلاهما محال.
والجواب أن التجرد الواقع في الكلام المشكك إن أراد به التجرد عن الأجساد الحسية والأشباح المثالية جميعا فليس الحال كذلك في نفوس الناقصين والمتوسطين لأنها وإن تجردت عن الحسية ولكن لم يتجرد عن المثالية وإن أراد به التجرد عن الأجساد الحسية دون المثالية فهو الصحيح ولا فساد فيه.
وأما قوله: فكيف يحصل من مثله هذا التصور المحدود وليست معه قوة التخيل فممنوع لأن للجوهر المفارق عن القوى الجرمية دون المثالية إدراكات جزئية تخيلية وله قوة متخيلة منبعثة عن ذاته فإن له في ذاته قوى باطنية إدراكية وتحريكية يرجع