وهم وإزاحة بقي أن يقال إن إثبات المكان للجنة والنار مذكور في لسان الشريعة فكيف يمكن إنكاره لهما ونحن قبل الخوض في الجواب نمهد مقدمة هي أن بعض المعاني قد يكون حقيقية وقد يكون نسبية كالبياض مثلا فإن الحقيقي منه لا يختلف في الخواص والأحكام ولا يقبل الأشد والأضعف بخلاف الإضافي منه فإنه قد توجد فيه أحكام تخالف أحكامه الخاصة به عند كونه حقيقيا كتفريق البصر وغيره من حيثية أخرى غير حيثية كونه بياضا وكالعالي والسافل إذ كل منهما يقابل الآخر إذا كان حقيقيا. وإذا كان نسبيا فقط فكل منهما يتصف بمقابله من جهة أخرى. فإذا تمهدت هذه المقدمة نقول: قولنا: الجنة والنار لا يكون لهما مكان من هذه الدار المراد به أنهما عند كونهما حقيقيين لا يكونان كذلك وأما إذا كانتا إضافيتين أو كانتا بحسب بعض نشاتهما الجزئية فيمكن إثبات المكان لهما من جهة أخرى غير كونهما جنة ونارا حقيقيتين.
وما أورد من إثبات مكان لهما في هذه الدار فهو حكم بعض نشاتهما الجزئية النسبية فإنهما متى أخذنا من حيث كون إحداهما علوا والأخرى سفلا يقال: الجنة فوق السماء السابعة والنار تحت الأرض السفلى. وإذا أخذنا من حيث بعض صفاتهما ودقائقهما فالجنة حيث يتبع النيل والفرات والنار حيث منبعث الحرور والزمهرير ولا يستحيل كونهما في أمكنة متعددة في حين واحد ولا في أمكنة ضيقة لأن حكم الإنشاء النسبي لا ينافي هذا فإن الشيء الواحد في حالة واحدة يمكن أن ينسب إلى أمور متخالفة باعتبار الوجود الإضافي دون الحقيقي.
ويمكن أن يجامع مع ضده من هذه الحيثية كما أومأنا إليه كيف والمتضاد أن لا يكونان متضادين من جميع جهاتهما واعتباراتهما بل بحسب بعض الجهات والاعتبارات كالماء والنار فإنهما لا يتضادان من كل الوجوه بل يتوافقان من بعض الوجوه فمتى أنشأت النار أو أخذت من جهة من الجهات المتوافقة ككونهما موجودين في العقل