الفصل الأول فيما يدل على الأجسام السفلية العنصرية فنقول: وجود الأجسام التي تحت مقعر فلك القمر معلوم لنا بالمشاهدة وهي قابلة للتركيب كما ركبنا الماء بالتراب وحصل منه الطين.
وأما خلق المركبات التامة التي لا يتأتى إلا بقدرة الله فلما لم يتم إلا بكيفيات فعلية وانفعالية لا بد لها من حرارة مبددة محللة وبرودة جماعة مسكنة ورطوبة قابلة للتخليق والتشكيل ويبوسة حافظة لما أفيدت من التقويم والتعديل فخلق البارىء بلطفه وجوده عناصر أربعة متضادة الأوصاف والكيفيات ساكنة بطبعها في أماكن متخالفة بعضها فوق بعض بحسب ما يليق بطبائعها مرتبة ترتيبا بديعيا منضدة نضدا عجيبا حيث جعل كل مشاركين في كيفية واحدة فعلية أو انفعالية متجاورين.
فجعل النار لكونها أخف من أكل مجاورة للسماء لما بينهما من مناسبة اللطافة والضياء.
وجعل الأرض لكونها عكر الكل وثقلها وأثقلها في غاية السفل وفي أبعد المواضع من حركة الفلك ليكون مسكن المركبات الحيوانية.
وجعل الماء مجاورا للأرض لكونه أشد مناسبة لها من جهة البرودة والكثافة.
وجعل الهواء مجاورا للنار لكونه أشد مناسبة إياها من جهة الشفيف والحرارة والخفة.
ثم إنها لما خلقت بحسب طبائعها في أماكنها المختلفة المتباعدة فيما يشاهده من صيرورتها أجزاء المركبات المعدنية والنباتية والحيوانية يدل على وجود الحركة المستقيمة الدالة بحسب المسافة الأينية على وجود جهتين محدودتين مختلفتين بالطبع لرجوع سائر الجهات الإضافية إليهما في حقيقتها.
ويدل اختلاف الجهتين على وجود محدد جسماني ذي وضع محيط بها ينتهي إليه الأصواب والجهات والأبعاد و